كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

للمبالغة في الإلزام والتبكيت أزواجا قال الزجاج وغيره مزدوجين ذكرا وأنثى ليتسنى التناسل وينتظم أمر المعاش وقيل أصنافا في اللون والصورة واللسان وقيل يجوز أن يكون المراد من الخلق أزواجا الخلق من منيين منى الرجل ومنى المرأة والمعنى خلقنا كل واحد منكم أزواجا باعتبار مادته التي هي عبارة عن منيين فيكون خلقناكم أزواجا من قبيل مقابلة الجمع بالجمع وتوزيع الأفراد على الأفراد وهو خلاف الظاهر جدا ولا داعي إليه وجعلنا نومكم سباتا أي كالسبات ففي الكلام تشبيه بليغ كما تقدم والمراد بالسبات الموت وقد ورد في اللغة بهذا المعنى ووجه تشبيه النوم به ظاهر وعلى ذلك قوله تعالى وهو الذي يتوفاكم بالليل وهو على بناء الأدواء مشتق من السبت بمعنى القطع لما فيه من قطع العمل والحركة ويقال سبت شعره إذا حلقه وأنفه إذا اصطلمه وزعم ابن الأنباري كما في الدرر أنه لم يسمع السبت بمعنى القطع وكأنه أصم وقيل السبت التمدد كالسبط يقال سبت الشعر إذا حل عقاصه وعليه تفسير السبات بالنوم الطويل الممتد والأمتنان به لما فيه من عدم الأنزعاج وجوز بعضهم حمله على النوم الخفيف بناء على ما في القاموس من إطلاقه عليه على أن المعنى جعلنا نومكم نوما خفيفا غير ممتد فيختل به أمر معاشكم ومعادكم وفي البحر سباتا أي سكونا وراحة سبت إذا استراح وزعم ابن الأنباري أيضا عدم سماع سبت بهذا المعنى ورد ليه المرتضى بأنه أريد الراحة اللازمة للنوم وقطع الأحساس فإن في ذلك راحة القوى الحيوانية مما عراها في اليقظة من الكلام ومنه سمي اليوم المعروف سبتا لفراغ وراحة لهم وقيل سمي بذلك لأن الله تعالى ابتدأ بخلق السماوات والأرض يوم الأحد فخلقها في ستة أيام كما ذكر عز و جل فقطع عمله سبحانه يوم السبت فسمى بذلك واختار المحققون كون السبات هنا بمعنى الموت لأنه أنسب بالمقام كما لا يخفى وجعلنا الليل الذي يقع فيه النوم غالبا لباسا يستركم بظلامه كما يستركم اللباس ولعل المراد بهذا اللباس المشبه به ما يستتر به عند النوم من اللحاف ونحوه فإن شبه الليل به أكمل واعتباره في تحقيق المقصد أدخل واختار غير واحد إرادة الأعم وإن المعنى جعلناه ساترا لكم عن العيوم إذا أردتم هربا من عدو أو بياتا له أو خفاء ما لا تحبون الأطلاع عليه من كثير من الأمور وقد عد المتنبي من نعم الليل البيات على الأعداء والفوز بزيادة المحبوب واللقاء مكذبا ما اشتهر من هذهب المانوية من أن الخير منسوب إلى النور والشر إلى الظلمة بالمعنى المعروف فقال وكم لظلام الليل عندي من يد
تخبر أن المانوية تكذب وقاك ردي الأعداء تسري إليهم
وزارك فيه ذو الدلال المحجب وقال بعضهم يمكن أن يحمل كون الليل كاللباس على كونه كاللباس لليوم في سهولة إخراجه ومنه ولا يخفى بعده ومما يقضي منه العجب استدلال بعضهم بهذه الآية على أن من صلى عريانا في ليل أو ظلمة فصلاته صحيحة ولعمري لقد أتى عن لباس التحقيق كما لا تخفى على من أشرق عليه ضياء الحق الحقيق وجعلنا النهار معاشا مصدر ميمي بمعنى العيش وهو الحياء المختصة بالحيوان على ما قال الراغب دون العامة لحياة الملك مثلا ووقع هنا ظرفا كما قيل في نحو أتيتك خفوق النجم وطلوع الفجر وجوز أن يكون اسم زمان وتعقب بأنه لم يثبت مجيئه كذلك في اللغة والمعنى وجعلنا النهار وقت معاش أي حياة تبعثون فيه من نومكم الذي هو أخو الموت وكأنه لما جعل سبحانه النوم موتا مجازا جعل جل شأنه اليقظة معاشا كذلك لكن أوثر النهار ليناسب المتوسط وقيل المعنى وجعلنا النهار وقت معاش تتقلبون فيه لتحصيل ما تعيشون به وهو أنسب بجعل السبات فيما تقدم بمعنى القطع عن الحركة على ما قيل ولا يخفى حسن ذكر جعل الليل لباسا بعد جعل النوم سباتا وهو مشير إلى حكمة جعل النوم

الصفحة 7