كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

صفته لا يجوز أن تدخل اللام في معموله ولا يجوز أن يتقدم معموله على الموصوف وفيه نظر وقيل كتاب خبر ثان لأن وقيل خبر مبتدأ محذوف هو ضمير راجع إلى كتاب الفجار ومناط الفائدة الوصف والجملة في البين اعتراضية وكلا القولين خلاف الظاهر وعن عكرمة أن سجين عبارة عن الخسار والهوان كما تقول بلغ فلان الحضيض إذا صار في غاية الخمول والكلام في وما أدراك الخ عليه يعلم مما ذكرنا وهذا خلاف المشهور وزعم بعض اللغويين أن نونه بدل من لام وأصله سجيل فهو كجبرين في جبريل فليس مشتقا من السجن أصلا ومرقوم منرقم الكتاب إذا أعجمه وبينه لئلا يلغو أي كتاب بين الكتابة أو منرقم الكتاب إذا جعل له رقما أي علامة أي كتاب معلم يعلم من رآه أنه لا خير فيه وقال ابن عباس والضحاك مرقوم مختوم بلغة حمير وذكر بعضهم أنه يقال رقم الكتاب بمعنى ختمه ولم يخصه بلغة دون لغة وفي البحر مرقوم أيمثبت كالرقم لا يبلى ولا يمحى وهو كما ترى وشاع الرقم في الكتابة قال أبو حيان وهو أصل معناه ومنه قول الشاعر سأرقم في الماء القراح إليكم
على بعدكم إن كان للماء راقم وأما الرقم المعروف عند أهل الحساب فالظاهر أنه بمعنى العلامة وخص بعلامة العدد فيما بينهم وقوله تعالى ويل يومئذ للمكذبين متصل بقوله تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين وما بينهما اعتراض والمراد للمكذبين بذلك اليوم فقوله تعالى الذين يكذبون بيوم الدين إما مجرور على أنه صفة ذامة للمكذبين أو بدل منه أو مرفوع أو منصوب على الذم وجوز أن يكون صفة كاشفة موضحة وقيل هو صفة مخصصة فارقة على أن المراد المكذبين بالحق والأول أظهر لأن قوله تعالى وما يكذب به إلا كل معتد الخ يدل على أن القصد إلى المذمة أي ومايكذب بيوم الدين إلا كل متجاوز حدود النظر والأعتبار غال في التقليد حتى جعل قدرة الله تعالى قاصرة عن الإعادة وعلمه سبحانه قاصرا عن معرفة الأجزاء المتفرقة التي لا بد في الإعادة منها فعد الإعادة محالة عليه عز زجل أثيم أي كثير الآثام منهمك في الشهوات المخدجة الفانية بحيث شغلته عما وراءها من اللذات التامة الباقية وحملته على إنكارها إذا تتلى عليه آياتنا الناطقة بذلك قال من فرط جهله وإعراضه عن الحق الذي لا محيد عنه أساطير الأولين أيهي حكايات الأولين يعني هي أباطيل جاء بها الأولون وطال أمد الأخبار بها ولم يظهر صدقها أو أباطيل ألقيت على آبائنا الولين وكذبوها ولسنا أول مكذب بها حتى يكون التكذيب منا عجلة وخروجا عن طريق الحزم والأحتياط والأول أظهر والآية قيل نزلت في النظر بن الحرث وعن الكلبي أنها نزلت في الوليد بن المغيرة وأيا ما كان فالكلام على العموم وقرأ أبو حيوة وابن مقسم إذا يتلى بتذكير الفعل وقريء إذا تتلى على الأستفهام الإنكاري كلا ردع للمعتدي الأثيم عن ذلك القول الباطل وتكذيب له فيه وقوله عز و جل بل ران على قلبهم ما كانوا يكسبون بيان لما أدى بهم إلى التفوه بتلك العظيمة أي ليس في آياتنا ما يصحح أن يقال في شأنها مثل تلك المقالة الباطلة بل ركب قلوبهم وغلب عليها ما استمروا على اكتسابه من الكفر والمعاصي حتى صار كالصدافي المرآة فحال ذلك بينهم وبين معرفة الحق فلذلك قالوا ما قالوا والرين في الأصل الصدأ يقال ران عليه الذنب وغان عليه رينا وغنيا ويقال ران فيه النوم أيرسخ فيه البحر أصل الرين الغلبة يقال رانت الخمر على عقل شاربها أي غلبت وران الغشي على عقل المريض أي غلب وقال أبو زيد يقال رين بالرجل يران به رينا إذاوقع فيما لا يستطيع منه الخروج وأريد به حب المعاصي الراسخ بجامع أنه كالصدا المسود للمرآة والفضة مثلا المغير عن الحالة الأصلية وأخرج

الصفحة 72