كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

تعالى وجهه وجمعا من المؤمنين معه مروا بجمع من كفار مكة فضحكوا منهم واستخفوا بهم فنزلت إن الذين أجرموا الخ قبل أن يصل علي كرم الله تعالى وجهه إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفي الكشاف حكاية ذلك عن المنافقين وأنهم قالوا ربنا اليوم الأصلع أي سيدنا يعنون عليا كرم الله تعالى وجهه وإنما قالوه استهزاء ولعل الأول أصح وتقديم الجار والمجرور إما للقصر إشعارا بغاية شناعة ما فعلوا أي كانوا من الذين آمنوايضحكون مع ظهور عدم استحقاقهم لذلك على منهاج قوله تعالى أفي الله شك لمراعاة الفواصل وإذا مروا أي المؤمنون بهم أيبالذين أجرموا وهم في أنديتهم يتغامزون أي يغمز بعضهم بعضا ويشيرون بأعينهم استهزاء بالمؤمنين وأرجاع ضمير مروا للمؤمنين وضمير بهم للمجرمين هو الأظهر الأوفق بحكاية سبب النزول واستظهر أبو حيان العكس معللا له بتناسق الضمائر وإذا انقلبوا أي المجرمون ورجعوا منمجالسهم إلى أهلهم انقلبوافكهين ملتذين باستخفافهم بالمؤمنين وكان المراد بذلك الإشارة إلى أنهم يعدون صنيعهم ذلك من أحسن ما اكتسبوه في غيبتهم عن أهلهم أو إلى أن له وقعا في قلوبهم ولم يفعلوه مراعاة لأحد وإنما فعلوه لحظ أنفسهم وقيل فيه إشارة إلى أنهم كانوا لا يفعلون ذلك بما رأى من المارين بهم ويكتفون حينئذ بالتغامز وقرأ الجمهور فاكهين بالألف قيل هما بمعنى فكهين أشربن وقيل فرحين وفاكهين قيل متفكهين ناعمين وقيل مادحين وإذا رأوهم وإذا رأوا المؤمنين أينما كانوا قالوا إن هؤلاء لضالون يعنون المؤمنين مطلقا لا خصوص المرئيين منهم والتأكيد لمزيد الأعتناء بسبهم وما أرسلوا عليهم حافظين جملة حالية من ضمير قالوا أي قالوا ذلك والحال أنهم ما أرسلوا من جهة الله تعالى على المؤمنين موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم ويهيمنون على أعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم وهذا تهكم واستهزاء بهم وإشعارا بأن ما جرؤوا عليه من القول من وظائف من أرسل من جهته تعالى وجوز أن يكون منجملة قول المجرمين والأصل وما أرسلوا علينا حافظين إلا أنه قيل عليهم نقلا بالمعنى على نحو قال زيد ليفعلن كذا وغرضهم بذلك إنكار صد المؤمنين إياهم عن الشرك ودعائهم إلى الإيمان فاليوم الذين آمنوا أي المعهودون من الفقراء من الكفار أي من المعهودين وجوز التعميم من الجانبين يضحكون حين يرونهم أذلاء مغلولين قد غشيتهم فنون الهوان والصغار بعد العز والكبر ورهقهم ألوان العذاب بعد التنعم والترفه والظرف والجار والمجرور متعلقان بيضحكون وتقديم الجار والمجرور قيل للقصر تحقيقا للمقابلة أي واليوم هم من الكفار يضحكون لا الكفار منهم كما كانوا يفعلون في الدنيا وقوله تعالى على الأرائك ينظرون حال منفاعل يضحكون أي يضحكون منهم ناظرين إليهم وإلى ما هم فيه من سوء الحال وقيل يفتح للكفار باب إلى الجنة فيقال لهم هلم هلم فإذا وصلوا إليها أغلق دونهم يفعل ذلك مرارا حتى أن أحدهم يقال له هلم هلم فما يأتي من أياسه ويضحك المؤمنون منهم وتعقب بأن قوله تعالى هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون يأباه فإنه صريح في أن ضحك المؤمنين منهم جزاء لضحكهم منهم في الدنيا فلا بد من المجانسة والمشاكلة حتما والحق أنه لا أباء كما لا يخفى والتثويب والاثابة المجازاة ويقال ثوبه وأثابه إذا جازاه ومنه قول الشاعر سأجزيك أو يجزيك عني مثوب
وحسبك أن يثني عليك وتحمدي وظاهر كلامهم إطلاق ذلك على المجازاة بالخير والشر واشتهر بالمجازاة بالخير وجوز حمله عليه هنا على أن المراد التهكم كما قيل به في قوله تعالى فبشرهم بعذاب أليم وذوق أنك أنت العزيز الكريم كأنه تعالى يقول للمؤمنين هل أثبنا هؤلاء على ما كانوا يفعلون كما أثبناكم على ما كنتم تعملون فيكون هذا القول زائدا

الصفحة 77