كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

في سرورهم لما فيه من تعظيمهم والأستخفاف بأعدائهم والجملة الأستفهامية حينئذ معمولة لقول محذوف وقع حالا منضمير يضحكون أو من ضمير ينظرون أي يضحكون أو ينظرون مقولا لهم هل ثوب الخ ولم يتعرض لذلك الجمهور وفي البحر الأستفهام لتقرير المؤمنين والمعنى قد جوزي الكفار ما كانوا الخ وقيل هل ثوب متعلق بينظرون والجملة في موضع نصب به بعد إسقاط حرف الجر الذي هو إلى انتهى وما مصدرية أو موصولة والعائد محذوف أي يفعلونه والكلام بتقدير مضاف أيثواب أو جزاء ماكانوا الخ وقيل هو بتقدير باء السببية أي هل ثوب الكفار بماكانوا وقرأ النحويان وحمزة وابن محيصن بإدغام اللام في التاء والله تعالى أعلم
سورة الإنشقاق
ويقال سور انشقت وهي مكية بلا خلاف وآيها ثلاث وعشرون آية في البصري والشامي وخمس وعشرون في غيرهما ووجه مناسبتها لما قبلها يعلم مما نقلناه عن الجلال السيوطي فيما قبل وأوجز بعضهم في بيان وجه ترتيب هذه السور الثلاث فقال إن في انفطرت التعريف بالحفظة الكاتبين وفي المطففين مقر كتبهم وفي هذه عرضها في القيامة بسم الله الرحمن الرحيم إذا السماء انشقت أي الغمام كما روي عن ابن عباس وذهب إليه الفراء والزجاج كما في البحر ويشهد له قوله تعالى ويوم تشقق السماء بالغمام فالقرآن يفسر بعضه بعضا وقيل تنشق لهول يوم القيامة لقوله تعالى وانشقت السماء فهي يومئذ واهية وبحث فيه بأنه لا ينافي أن يكون الأنشقاق بالغمام وأخرج ابن أبي حاتم عن علي كرم الله تعالى وجهه أنها تنشق من المجرة وفي الآثار أنها باب السماء وأهل الهيئة يقولون أنها نجوم صغار متقاربة جدا غير متميزة في الحس ويظهر ذلك ظهورا بينا لمن نظر إليها بالأرصاد ولا منافاة على ما قيل من أن المراد بكونها باب السماء أن مهبط الملائكة عليهم السلام ومصعدهم من جهتها وذلك بجامع كونها نجوما صغارا متقاربة غير متميزة في الحس وخبر أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أرسل معاذا إلى أهل اليمن فقال له يا معاذ إنهم سائلوك عن المجرة فقل هي لعاب حية تحت العرش ومنه قيل أنها في البحر المكفوف تحت لا يكاد يصح والقول المذكور لا ينبغي أن يحكى إلا لينبه على حاله وقرأ عبيد بن عقيل عن أبي عمرو انشقت وكذا ما بعد من نظائره بإشمام التاء كسرا في الوقف وحكى عنه أيضا الكسر أبو عبيد الله بن خالويه وذلك لغة طيء على ما قيل وعن أبي حاتم سمعت أعرابيا فصيحا في بلاد قيس بكسر هذه التاء أي تاء التأنيث اللاحقة للفعل وهي لغة ولعل ذلك لأن الفواصل قد تجري مجرى القوافي فكما إن هذه التاء تكسر في القوافي كما في قول كثير عزة من قصيدة وما أنا بالداعي لعزة بالردى
ولا شامت أن قيل عزة ذلت إلى غير ذلك من أبيات تلك القصيدة تكسر في الفواصل وإجراء الفواصل في الوقف مجرى القوافي مهيع معروف كقوله تعالى الظنونا والرسولا في سورة الأحزاب وحمل الوصل على حالة الوقف موجود أيضا في الفواصل وأذنت لربها أي استمعت له تعالى يقال أذن إذا سمع قال الشاعر صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به
وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا وقال قعنب إن يأذنوا ربية طاروا بها فرحا
وما هم أذنوا من صالح دفنوا والأستماع هنا مجاز عن الأنقياد والطاعة أي انقادت لتأثير قدرته عز و جل حين تعلقت إرادته سبحانه

الصفحة 78