كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
بانشقاقها انقياد المأمور المطواع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إليها للإشعار بعلة الحكم وهذه الجملة ونظيرتها بعد قيل بمنزلة قوله تعالى أتينا طائعين في الأنباء عن كون ما نسب إلى السماء والأرض من الأنشقاق والمد وغيرهما جاريا على مقتضى الحكمة على ما قرروه وحقت أي جعلت حقيقة بالأستماع والأنقياد لكن لا بعد أن لمتكن كذلك بل في نفسها وحد ذاتها من قولهم هو محقوق بكذا وحقيق به وحاصل المعنى انقادت لربها وهي حقيقة وجديرة بالأنقياد لما أن القدرة الربانية لا يتعاصاها أمر من الأمور لا لأمر اختصت به من بين الممكنات وذكر بعضهم أن أصل الكلام حق الله تعالى عليها بذلك أي حكم عليها بتحتم الأنقياد على معنى أراده سبحانه منها إرادة لا نقض لها وقيل المعنى وحق لها أن تنشق لشدة الهول والجملة على ما اختاره بعض الأجلة اعتراض مقرر لما قبلها وقيل معطوفة عليه وليس بذاك وإذا الأرض مدت قال الضحاك بسطت باندكاك جبالها وآكامها وتسويتها فصارت قاعا صفصفا لا ترى فيها عوجا ولا أمتا وقال بعضهم زيدت سعة وبسطة من مده بمعنى أمده أي زاده ونحوه ما قيل جرت فزاد انبساطها وعظمت سعتها وأخرج الحاكم بسند جيد عن جابر عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم ثم لا يكون لابن آدم منها إلا موضع قدميه وألقت ما فيها أيرمت ما في جوفها من الموتى والكنوز كما أخرج ذلك عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة وإليه ذهب الزجاج واقتصر بعضهم كابن جبير وجماعة على الموتى بناء على أن إلقاء الكنوز إذا خرج الدجال وكأن من ذهب إلى الأول لا يسلم القاء الكنوز يومئذ ولو سلم يقول يجوز أن لا يكون عاما لجميع الكنوز وإنما يكون كذلك يوم القيامة والقول بأن يوم القيامة متسع يجوز أن يدخل فيه وقت خروج الدجال ينبغي أن يلقى ولا يلتفت إليه وتخلت أي وخلت عما فيها غاية الخلو حتى لم يبق فيها شيء من ذلك كأنها تكلفت في ذلك أقصى جهدها فصيغة التفعل للتكلف والمقصود منه المبالغة كما في قولك تحلم الحليم وتكرم الكريم وقيل تخلت ممن على ظهرها من الأحياء وقيل مما على ظهرها من جبالها وبحارها وكلا القولين كما ترى وقد أخرج أبو القاسم الحبيلي في الديباج عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال أنا أول من تنشق عنه الأرض فأجلس جالسا في قبري وإن الأرض تحرك بي فقلت لها ما لك فقالت إن ربي أمرني أن ألقي ما في جوفي وأن أتخلى فأكون كما كنت إذ لا شيء في ذلك قوله تعالى وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها في الألقاء وما بعده وحقت الكلام فيه نظير ما تقدم وفيه إشارة إلى أنما ذكر وإن أسند إلى الأرض فهو بفعل الله تعالى وقدرته عز و جل وتكرير كلمة إذا لاستقلال كل من الجملتين بنوع من القدرة يا أيها الإنسان إنك كادح أي جاهد ومجد جدا فيعملك من خير وشر إلى ربك كدحا أي طول حياتك إلى لقاء ربك أي إلى الموت وما بعده من الأحوال الممثلة باللقاء والكدح جهد النفس في العمل حتى يؤثر فيها من مدح جلده إذا خدشه قال ابن مقبل وما الدهر إلا تارتان فمنهما وقال آخر ومضت بشاشة كل عيش صالح
وبقيت أكدح للحياة وأنصب فملاقيه أي فملاق له عقيب ذلك لا محالة من غير صارف يلويك عنه والضمير له عز و جل أي فملاقي جزائه تعالى وقيل هو للكدح أي فملاقي جزاء الكدح وبولغ فيه على نحو إنما هي أعمالكم ترد إليكم