كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
والظاهر أن ملاقيه معطوف على كادح على القولين وقال ابن عطية بعد ذكره الثاني فألفاه على هذا عاطفة جملة الكلام على الجملة التي قبلها والتقدير فأنت ملاقيه ولا يظهر وجه التخصيص والمراد بالإنسان الجنس كما يؤذن به التقسيم بعد وقال مقاتل المراد به الأسود بن هلال المخزومي جادل أخاه أبا سلمة في أمر البعث فقال أبو سلمة أي والذي خلقك لتركبن الطبقة ولتوافين العقبة فقال الأسود فأين الأرض والسماء وما حال الناس وكأنه أراد أنها نزلت فيه وهي تعم الجنس ويل المراد أبي بن خلف كان يكدح في طلب الدنيا وإيذاء الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم والإصرار على الكفر ولعل القائل أراد ذلك أيضا وأبعد غاية الإبعاد من ذهب إلى أنه الرسول عليه الصلاة و السلام على أن المعنى إنك تكدح في إبلاغ رسالات الله عز و جل وإرشاد عباده سبحانه واحتمال الضرر من الكفار فأبشر إنك تلقى الله تعالى بهذا العمل وهو غير ضائع عنده جل شأنه وجواب إذا قيل قوله تعالى فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا الخ كما في قوله تعالى فأما يأتيكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون وقوله تعالى يا أيها الإنسان الخ اعتراض وقيل هو محذوف للتهويل أي كان ما كان مما يضيق عنه نطاق البيان وقدره بعضهم نحو ما صرح به في سورتي التكوير والإنفطار وقيل هو ما دل عليه يا أيها الإنسان الخ وتقديره لاقى الإنسان كدحه وقيل هو نفسه على حذف الفاء والأصل فيا أيها الإنسان أو بتقدير يقال وقال الأخفش والمبرد وهو قوله تعالى فملاقيه بتقدير فأنت ملاقيه ليكون مع المقدر جملة وعلى هذا جملة يا أيها الإنسان الخ معترضة وقال ابن الأنباري والبلخي هو وأذنت على زيادة الواو كما قيل في قوله تعالى حتى إذا جاؤها وفتحت أبوابها وعن الأخفش أن إذا هنا لا جواب لها لأنها ليست بشرطية بل هي في إذا السماء متجردة عنها مبتدأ وفي وإذا الأرض خبر والواو زائدة أي وقت انشقاق السماء وقت مد الأرض وقبل لا جواب لها لأنها ليست بذلك بل متجردة عن الشرطية واقعة مفعولا لا ذكر محذوفا ولا يخفى ما في هذه الأقوال من الضعف ولعل الأولى منها الأولان والحساب اليسير السهل الذي لا مناقشة فيه كما قيل وفسره عليه الصلاة و السلام بالعرض وبالنظر في الكتاب مع التجاوز فقد أخرج الشيخان والترمذي وأبو داود عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال ليس أحد يحاسب إلا هلك قلت يا رسول الله جعلني الله تعالى فداك أليس الله تعالى يقول فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال ذلك العرض يعرضون ومن نوقش الحساب هلك وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن مردويه والحاكم وصححه عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول في بعض صلاته اللهم حاسبني حسابا يسيرا فلما انصرف عليه الصلاة و السلام قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير قال أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه وينقلب إلى أهله مسرورا أي عشيرته المؤمنين مبتهجا بحاله قائلا هاؤم اقرؤا كتابيه وقيل أي فريق مطلقا وإن لم يكونوا عشيرته إذ كل المؤمنين أهل للمؤمن من جهة الأشتراك في الإيمان وقيل أي إلى خاصته ومن أعده الله تعالى له في الجنة من الحور والغلمان وأخرج هذا ابن المنذر عن مجاهد وقرأ زيد بن علي ويقلب مضارع قلب مبنيا للمفعول وأما من أوتي كتابه وراء ظهره أي يؤتاه بشماله من وراء ظهره قيل تغل يمناه إلى عنقه وتجعل شماله وراء ظهره فيؤتى كتابه بشماله وروي أن شماله تدخل في صدره حتى تخرج من وراء ظهره فيأخذ كتابه بها فلا تدافع بين ما هنا وما في السورة الحاقة حيث لم يذكر فيه الظهر ثم هذا إن كان في الكفرة وما قبله في المؤمنين المتقين فلا تعرض هنا للعصاة كما استظهره في البحر وقيل لا بعد في إدخال العصاة في أهل اليمين أما لأنهم يعطون كتبهم باليمين بعد الخروج من النار كما اختاره ابن