كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

أخرى من مراتب القرب أو مراتب من الشدة في الدنيا باعتبار ما يقاسيه صلى الله تعالى عليه وسلم من الكفرة ويعانيه في تبليغ الرسالة أو الكلام عدة بالنصر أي لتلاقن فتحا بعد فتح ونصرا بعد نصر وتبشيرا بالمعراج أي لتركبن سماء بعد سماء كما أخرجه عبد بن حميد عن ابن عباس وابن مسعود وأيد بالتوكيد بالجملة القسمية والتعقيب بالإنكارية وأخرج ابن المنذر وجماعة عن ابن مسعود أنه قال في ذلك يعني السماء تنفطر ثم تنشق ثم تحمر وفي رواية السماء تكون كالمهل وتكون وردة كالدهان وتكون واهية وتشقق فتكون حالا بعد حال فالتاء للتأنيث والضمير الفاعل عائد على السماء وقرأ عمر وابن عباس أيضا ليركبن بالياء آخر الحروف وفتح الباء على الألتفات من خطاب الإنسان إلى الغيبة وعن ابن عباس يعني نبيكم عليه الصلاة و السلام فجعل الضمير له صلى الله تعالى عليه وسلم والمعنى على نحو ما تقدم وقيل الضمير الغائب يعود على القمر لأنه يتغير أحوالا من سرار واستهلال وإبدار وقرأ عمر أيضا ليركبن بياء الغيبة وضم الباء على أن ضمير الجمع للإنسان باعتبار الشمول وقريء بلا لتاء الفوقية وكسر الباء على تأنيث الإنسان المخاطب باعتبار النفس وأمر التقدير الحالية المشار إليها فيما مر على هذه القرآت لا يخفى والفاء في قوله تعالى فما لهم لا يؤمنون جوز أن تكون لترتيب ما بعدها من الإنكار والتعجب على ما قبلها من أحوال القيامة وأهوالها المشار إليها بقوله تعالى لتركبن الخ على بعض الأوجه الموجبة للإيمان والسجود إذا كان حالهم يوم القيامة كما أشير إليه فأي شيء لهم حال كونهم غير مؤمكنين أي أي شيء يمنعهم من الإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وسائر ما يجب الإيمان مع تعاضد موجباته من الأهوال التي تكون لتاركه يومئذ وجوز أن يكون لترتيب ذلك على ما قيل من عظيم شأنه عليه الصلاة و السلام المشار إليه بقوله سبحانه لتركبنالخ على بعض آخر من الأوجه السابقة فيه أي إذا كان حاله وشأنه صلى الله تعالى عليه وسلم ما أإليه فأي شيء يمنعهم به عليه الصلاة و السلام وجوز أن يكون لترتيب ذلك على ما تضمنه قوله سبحانه فلا أقسم الخ يدل على صحة البعث من التغييرات العلوية والسفلية الدالة على كمال القدرة وإليه ذهب الإمام أي إذا كان شأنه تعالى شأنه كما أشير إليه من كونه سبحانه وتعالى عظيم القدرة واسع العلم فأي شيء يمنعهم عن الإيمان الذي هو من جملة الممكنات التي تشملها قدرته عز و جل ويحبط بها علمه جل جلاله وإذا قريء عليهم القرآن لا يسجدون عطف على الجملة الحالية فهي حالية مثلها أي فأي مانع لهم حال عدم سجودهم عند قراءة القرآن والسجود مجاز عن الخضوع اللازم له على ما روي عن قتادة أو المراد به الصلاة وفي قرن ذلك بالإيمان دلالة على عظم قدرها كما لا يخفى أو هو على ظاهره فالمراد بما قبله قريء القرآن المخصوص أو وفيه آية سجدة وقد صح عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه سجد عند قراءة هذه الآية أخرج مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن أبي هريرة قال سجدنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك وأخرج الشيخان وأبو داود والنسائي عن أبي رافع قال صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ إذا السماء انشقت فسجد فقلت له فقال سجدت خلف أبي القاسم صلى الله تعالى عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتى ألقاه عليه الصلاة و السلام وفي ذلك رد على ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حيث قال ليس في المفصل وهو من سورة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وقيل من الفتح وقيل هو قول الأكثر من الحجرات سجدة وهي سنة عند الشافعي وواجبة عند أبي حنيفة قال الإمام روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قرأ ذات يوم واسجد واقترب فسجد هو ومن معه من المؤمنين وقريش تصفق فوق رؤسهم وتصفر فنزلت هذه الآية واحتج أبو حنيفة على وجوب السجدة بهذا من وجهين

الصفحة 83