كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
الأول أن فعله عليه الصلاة و السلام يقتضي الوجوب لقوله تعالى فاتبعوه الثاني أنه تعالى ذم من يسمعه ولا يسجد وحصول الذم عند الترك يدل على الوجوب انتهى وفيه بحث مع أن الحديث كما قال ابن حجر لم يثبت بل الذين كفروا يكذبون أي بالقرآن وهو انتقال عن كونهم لا يسجدون عند قراءته إلى كونهم يكذبون به صريحا ووضع الموصول موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالكفر والإشعار بعلة الحكم وقرأ الضحاك وابن أبي عبلة يكذبون مخففا وبفتح الياء والله أعلم بما يوعدون أي بالذي يضمرونه في صدورهم من الكفر والحسد والبغضاء فما موصولة والعائد محذوف وأصل الإيعاد جعل الشيء في وعاء وفي مفردات الراغب الإيعاء حفظ الأمتعة في وعاء ومنه قوله
والشر أخبث ما أوعيت من زاد
وأريد بههنا الإضمار مجازا وهو المروي عن ابن عباس ولا يلزم عليه كون الآية في حق المنافقين مع كون السورة مكية كما لا يخفى وفسره بعضهم بالجمع وحكى عن ابن زيد وجوز أن يكون المعنى والله تعالى أعلم بما يجمعونه في صحفهم من أعمال السوء وأيا ما كان فعلم الله تعالىبذلك كناية عن مجازاته سبحانه عليه وقيل المراد الإشارة إلى أن لهم وراء التكذيب قبائح عظيمة كثيرة يضيق عن شرحها نطاق العبارة وقال بعضهم يحتمل أن يكون المعنى والله تعالى أعلم بما يضمرون في أنفسهم من أدلة كونه أي القرآن حقا فيكون المراد المبالغة في عتادهم وتكذيبهم على خلاف علمهم والظاهر أن الجملة على هذا حال من ضمير يكذبون وكونها كذلك على ما قيل من الإشارة خلاف الظاهر وقرأ أبو رجاء بما يعون من وعى يعي فبشرهم بعذاب أليم مرتب على الأخبار بعلمه تعالى بما يوعون مرادا به مجازاتهم به على تكذيبهم وقيل الفاء فصيحة أي إذا كان حالهم ما ذكر فبشرهم الخ والتبشير في المشهورالإخبار بسار والتعبير به ههنا من باب
تحية بينهم ضرب وجيع
وجوز أن يكون ذلك على تنزيلهم لأنهماكهم في المعاصي الموجبة للعذاب وعدم استرجاعهم عنها منزلة الراغبين في العذاب حتى كان الإخبار به تبشيرا وإخبارا بسار والفرق بين الوجهين يظهر بأدنى تأمل وأبعد جدا من قال إن ذلك تعريض بمحبة نبي الرحمة صلى الله تعالى عليه وسلم البشارة فيستعار لأمره عليه الصلاة و السلام بالإنذار لفظ البشارة تطييبا لقلبه صلى الله تعالى عليه وسلم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات استثناء منقطع من الضمير لمنصوب في فبشرهم وجوز أن يكون متصلا على أن يراد بالمستثنى من آمنوعمل الصالحات من آمن وعمل بعد منهم أي من أولئك الكفرة والمضي في الفعلين باعتبار علم الله تعالى أو هما بمعنى المضارع ولا يخفى ما فيه من التكلف مع أن الأول أنسب منه بقوله تعالى لهم أجر غير ممنون لأن الأجر المذكور لا يخص المؤمنين منهم بل المؤمنين كافة وكون الأختصاص إضافيا بالنسبة إلى الباقين على الكفر منهم خلاف الظاهر على أن إيهام الأختصاص بالمؤمنين منهم يكفي في الغرض كما لا يخفى والتنوين في أجر للتعظيم ومعنى غير ممنون غير مقطوع من من إذا قطع أو غير معتد به ومحسوب عليهم منمن عليه إذا اعتد بالصليعة وحسبها وجعل بعضهم المن بهذا المعنى من من بمعنى قطع أيضا لما أنه يقطع النعمة ويقتضي قطع شكرها والجملة على ما قيل استئناف مقرر لما أفاده الأستثناء من انتفاء العذاب عن المذكورين ومبين لكيفيته ومقارنته للثواب العظيم الكثير
سورة البروج
لا خلاف في مكيتها ولا في كونها اثنتين وعشرين آية ووجه مناسبتها لما قبلها باشتمالها كالتي قبل على وعد المؤمنين