كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)

الأمم وجوز أن يراد بهما المقربون والعليون لقوله تعالى كتاب مرقوم يشهده المقربون وأن يراد بالشاهد الطفل الذي قال يا أماه اصبري فإنك على الحق كما سيجيء إن شاء الله تعالى والمشهود له أمه والمؤمنون لأنه إذا كانت أمه على الحق فسائر المؤمنين كذلك وقيل وقيل وجميع الأقوال في ذلك على ما وقفت عليه نحو من ثلاثين قولا والوصف عن بعضها من الشهادة بمعنى الحضور ضد المغيب وعلى بعضها الآخر من الشهادة على الخصم أوله شهادة الجوارح بأن ينطقها الله تعالى الذي أنطق كل شيء وكذا الحجر الأسود ولا بعد في حضوره يوم القيامة للشهادة للحجيج وأما شهادة اليوم فيمكن أن تون بعد ظهوره في صورة كظهور القرآن على صورة الرجل الشاحب إذ يتلقى صاحبه عند قيامه من قبره وظهور الموت في صورة كبش يوم القيامة حتى يذبح بين الجنة والنار إلى غير ذلك وقال الشهاب الله تعالى قادر على أن يحضر اليوم ليشهد ولم يبين كيفية ذلك فإن كانت كما ذكرنا فذاك وإن كانت شيئا آخر بأن يحضر نفس اليوم في ذلك اليوم فالظاهر أنه يلزم أن يكون للزمان زمان وهو وإن جوزه من جوزه من المتكلمين لكن في الشهادة بلسان القال عليه خفاء ومثلها نداء اليوم الذي سمعته آنفا عن الحسن إن كان بلسان القال أيضا دون لسان الحال كما هو الأرجح عندي واختار أبو حيان من الأقوالعلى تقدير أن يراد بالشهادة الشهادة بالمعنى الثاني القول بأن الشاهد من يشهد في ذلك اليوم أعني اليوم الموعود يوم القيامة وإن المشهود من يشهد عليه فيه وعلى تقدير أن يراد بها الشهادة بالمعنى الأول القول بأن الشاهد الخلائق الحاضرون للحساب وإن المشهود اليوم ولعل تكرير القسم به وإن اختلف العنوان لزيادة تعظيمه فتأمل وجواب القسم قيل هو قوله تعالى إنالذين فتنوا وقال المبرد هو قوله تعالى إن بطش ربك لشديد وصرح به ابن جريج وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن مسعود ما يدل عليه وقال غير واحد هو قوله تعالى قتل أصحاب الأخدود على حذف اللام منه للطول والأصل لقتل كما في قوله حلفت لها بالله حلفة فاجر
لناموا فما إن من حديث ولا صالي وقيل على حذف اللام وقد والأصل لقد قتل وهو مبني على ما شتهر من أن الماضي المثبت المتصرف الذي لم يتقدم معموله تلزمه اللام وقد لا يجوز الأقتصار على أحدهما إلا عند طول الكلام كما في قوله سبحانه قد أفلح من زكاها بعد قوله تعالى والشمس وضحاها الخ والبيت المذكور ولا يجوز تقدير اللام بدون قد لأنها لا تدخل على الماضي المجرد منها وتمام الكلام في محله كشروح التسهيل وغيرها وأيا ما كان فالجملة خبرية وقال بعض المحققين أن الأظهر أنها دعائية دالة على الجواب كأنه قيل أقسم بهذه الأشياء إن كفار قريش لملعونون أحقاء بأن يقال فيها قتلوا كما هو شأن أصحاب الأخدود لما أن السورة وردت لتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من الإيمان وتصبيرهم على أذية الكفرة وتذكيرهم بما جرى ممن تقدمهم من التعذيب لأهل الإيمان وصبرهم على ذلك حتى يأنسوا بهم ويصبروا على ما كانوا يلقون من قومهم ويعلموا أنهم مثل أولئك عند الله عز و جل في كونهم ملعونين مطرودين فالقتل هنا عبارة عن أشد اللعن والطرد لاستحالة الدعاء منه سبحانه حقيقة فأريد لازمه من السخط والطرد عن رحمته جل وعلا وقال بعضهم الأظهر أن يقدر أنهم لمتفولون كما قتل أصحاب الأخدود فيكون وعدا له صلى الله تعالى عليه وسلم بقتل الكفرة المتمردين لأعلاء دينه ويكون معجزة بقتل رؤسهم في غزوة بدر انتهى وظاهرة إبقاء القتل على حقيقته واعتبار الجملة خبرية وهو كما ترى وحكى في البحر أنالجواب محذوف وتقديره لتبعثن ونحوه وليس بشيء كما لا يخفى والأخدود الخد وهو الشق في الأرض ونحوهما بناء ومعنى الخق والأخقوق ومنه ما جاء في خبر سراقة حين

الصفحة 87