كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
ظرف لقتل أي لعنوا حين أحدقوا بالنار قاعدين حولها في مكان قريب منها مشرفين عليها من حافات الأخدود كما في قول الأعشى تشب لمقرورين يصطليانها
وباب على النار الندى والمحلق وقيل الكلام بتقدير مضاف أي على حافاتها أو نحوه والجمهور على أن المراد ذلك منغير تقدير وهمعلى ما يفعلون بالمؤمنين شهود أي يشهد بعضهم لبعض عند الملك بأن أحدا لم يقصر فيما أمر به أو يشهدون عنده على حسن ما يفعلون واشتماله على الصلاح ما قيل أو يشهد بعضهم على بعض بذلك الفعل الشنيع يوم القيامة أو يشهدون على أنفسهم بذلك يوم تشهد عليهم جوارحهم بأعمالهم وقيل على بمعنى مع المعنى وهم مع ما يفعلون بالمؤمنين من العذاب حضور لا يرقون لهم لغاية قسوة قلوبهم ومن زعم أن الله تعالى نجى المؤمنين وإنما أحرق سبحانه الكافرين يقول هنا المراد وهم على ما يريدون فعله بالمؤمنين شهود وأيا ما كان ففي المؤمنين تغليب والمراد بالمؤمنين والمؤمنات ومن الغريب الذي لا يلتفت إليه ما قيل أن أصحاب الأخدود عمرو بن هند المشهود بمحرق ومن معه حرق مائة من بني تميم وضميرهم على ما يفعلون لكفار قريش الذين كانوا يفتنون المؤمنين والمؤمنات وما نقموا منهم أي ما أنكروا منهم وما عابوا وفي مفردات الراغب يقال نقمت الشيء إذا أنكرته بلسانك أو بعقوبة وقرأ زيد بن علي وأبو حيوة وابن أبي عبلة وما نقموا بكسر القاف والجملة عطف على الجملة الإسمية وحسن ذلك على ما قيل كون تلك الإسمية لوقوعها في حيز إذ ماضوية فكان العطف عطف فعلية على فعلية وقيل إن هذه الفعلية بتقدير وهم ما نقموا منهمإلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد استثناء مفصح عن براءتهم عما يعاب وينكر بالكلية على منهاج قوله ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب وكون الكفرة يرون الإيمان أمرا منكرا والشاعر لا يرى الفلول كذلك لا يضر على ما أرى في كون ذلك منه عز و جل جاريا على ذلك المنهاج من تأكيد المدح بما يشبه الذم ثم إن القوم إن كانوا مشركين فالمنكر عندهم ليس هو الإيمان بالله تعالى بل نفي ما سواه من معبوداتهم الباطلة وإن كانوا معطلة فالمنكر عندهم ليس إلا إثبات معبود غير معهود لهم لكن لما كان مآل الأمرين إنكار المعبود بحق الموصوف بصفات الجلال والإكرام عبر بما ذكر مفصحا عما سمعت فتأمل ولبعض الأعلام كلام في هذا المقام قد رده الشهاب فإن أردته فارجع إليه وفي المنتخب إنما قال سبحانه إلا أن يؤمنوا لأن التعذيب إنما كان واقعا على اتل إيمان في المستقبل ولو كفروا فيه لم يعذبوا على مامضى فكأنه قال عز و جل إلا أن يدوموا على إيمانهم انتهى وكأنه حمل النقم على الإنكار بالعقوبة ووصفه عز و جل بكونه عزيزا غالبا يخشى عقابه وحميدا منعما يرجى ثوابه وتأكيد ذلك بقوله سبحانه الذي له ملك السماوات والأرض للإشعار بمناط إيمانهم وقوله تعالى والله على كل شيء شهيد وعد لهم ووعيد لمعذبيهم فإن علم الله جل شأنه الجامع لصفات الجلال والجمال بجميع الأشياء التي من جملتها أعمال الفريقين يستدعي توفير جزاء كل منهما ولكونه تذييلا لذلك واللائق به الأستقلال جيء فيه بالاسمال جليل دون الضمير إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات أي محنوهم في دينهم ليرجعوا عنه والمراد بالذين فتنوا بالمؤمنين والمؤمنات المفتونين إما أصحاب الأخدود والمطرحون فيه خاصة وأما الأعم ويدخل المذكورون دخولا أوليا وهو ألظهر وقيل المراد بالموصول كفار قريش الذين عذبواالمؤمنين والمؤمنات من هذه الأمة بأنواع من العذاب وقوله تعالى ثم لم يتوبوا قال ابن عطية يقوى أن الآية