كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 30)
المذكور مع تعلق الجار بينظر وفيه مسامحة وكأن المراد أنه على صورة الجواب وجعله جوابا له حقيقة على أنه مقطوع عن ينظر بشيء عند من له نظر والدفق صب فيه دفع وسيلان بسرعة وأريد بالماء الدافق المني ودافق قيل بمعنى مدفوق على تأويل اسم الفاعل بالمفعول وقد قرأ بذلك زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما وقال الخليل وسيبويه هو على النسب كلا بن وتامر أي ذي دفق وهو صادق على الفاعل والمفعول وقيل هو اسم فاعل وإسناده إلى الماء مجاز وأسند إليه ما لصاحبه مبالغة أو هو استعارة مكنية وتخييلية كما ذهب إليه السكاكي و مصرحة بجعله دافقا لأنه لتتابع قطراته كأنه يدفق أي يدفع بعضه بعضا وقد فسر ابن عطية الدفق بالدفع فقال الدفق دفع الماء بعضه ببعض يقال تدفق الوادي والسيل إذا جاء يركب بعضه بعضا ويصح أن يكون الماء دافقا لأن بعضه يدفع بعضا فمنه دافق ومنه مدفوق وتعقبه أبو حيان بأن الدفق بمعنى الدفع غير محفوظ في اللغة بل المحفوظ أنه الصب ونقل عن الليث أن دفق بمعنى انصب بمرة فدافق بمعنى منصب فلا حاجة إلى التأويل وتعقب بأنه مما تفرد به الليث كما في القاموس وغيره وقيل من ماء مع أن الإنسان لا يخلق إلا من ماءين ماء الرجل وماء المرأة ولذا كان خلق عيسى عليه السلام خارقا للعادة لأن المراد به الممتزج من الماءين في الرحم وبالأمتزاج صارا ماء واحدا ووصفه بالدفق قيل باعتبار أحد جزئيه وهو مني الرجل وقيل باعتبار كليهما ومني المرأة دافق أيضا إلى الرحم ويشير إلى إرادة الممتزج على ما قيل قوله تعالى يخرج من بين الصلب أي منبين أجزاء صلب كل رجل أي ظهره والترائب أيومنبين ترائب كل امرأة أيعظام صدرها جمع تريبة وفسرت أيضا بموضع القلادة من الصدر وروي عن ابن عباس وهو لكل امرأة واحد إلا أنه يجمع كما في قول امريء القيس مهفهفة بيضا غير مفاضة
ترائبها مصقولة كالسجنجل باعتبار ماحوله على ما في البحر وجاء في المفرد تريب كما في قول المثقب البعدي ومن ذهب يبين على تريب
كلون العاج ليس بذي غضون وحمل الآية على ما ذكر مروي عن سفيان وقتادة إلا أنهما قالا أي يخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة وظاهره كالآية أن أحد الطرفين للبينية الصلب والآخر الترائب وهو غير ما قلناه وعليه قيل هو كقولك يخرج من بين زيد وعمرو خير كثير على معنى أنهما سببان فيه وقيل إن ذلك باعتبار أنالرجل والماة يصيران كالشيء الواحد فكان الصلب والترائب لشخص واحد فلا تغفل ثم إن ما تقدم مبني إما على أنالترائب مخصوصة بالمرأة كما هو ظاهر كلام غير واحد وأما على حمل تعريفها على العهد وقال الحسن وروي عن قتادة أيضا أن المعنى يخرج من بين صلب كل واحد من الرجل والمرأة وترائب كل منهما ولم يفسر الترائب فقيل عظام الصدر وقيل ما بين الثديين وقيل ما بين المنكبين والصدر وقيل التراقي وقيل أربع أضلاع من يمنة الصدر وأربع من يسرته وعن ابن جبير الأضلاع التي هي أسفل الصلب وحكى ملكي عن ابن عباس أنها أطراف المرء ويداه وعيناه والأشهر أنها عظام الصدر وموضع القلادة منه وطعن في ذلك على ما قال الإمام بعض الملاحدة خذلهم الله تعالى بأن المني إنما يتولد من فضلة الهضم الرابع وينفصل من جميع أجزاء البدن فيأخذ منكل عضو طبيعة وخاصية متعديا لأن يتولد منه تلك الأعضاء وإن كان المراد أن معظم أجزاء المني تتولد في ذينك الموضعين فهو ضعيف لأن معظمه إنما يتولد في الدماغ ألا ترى أنه في صورته يشبه الدماغ والمكثر منه يظهر الضعف أولا في دماغه وعينيه وإن كان المراد أن مستقره هناك