كتاب رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

خلقه (¬١). فسلعَةٌ ربُّ السموات والأرض مشتريها، والتمتع بالنظر إلى وجهه الكريم وسماع كلامه منه في داره ثمنُها، وَمَنْ جرى على يده العقد رسُولُه (¬٢)، كيف يليق بالعاقل أن يُضيعها ويهملها ويبيعها بثمن بخس، في دار زائلة مضمحلة فانية! وهل هذا إلا من أعظم الغبن؟ (¬٣) وإنما يظهر له هذا الغبن (¬٤) الفاحش (¬٥) يوم التغابن، إذا ثقلت موازين المتقين وخفَّت موازين المبطلين.
فصل
إذا عرفت هذه المقدمة فاللذة التامة، والفرح والسرور (¬٦)، وطيب العيش، والنعيم، إنما هو في معرفة الله، وتوحيده والأُنْس به، والشوق إلى لقائه، واجتماع القلب والهمِّ عليه. فإنَّ أنكد العيش عيش مَنْ قَلْبُهُ مُشَتَّتٌ، وهَمُّهُ مُفَرَّقٌ (¬٧)، فليس لقلبه مستقر يستقر
---------------
(¬١) روى الطبري بسنده عن عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - أنه قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: اشترط لربك ولنفسك ما شئت. قال: "أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم". قالوا: فإذا فعلنا ذلك، فماذا لنا؟ قال: "الجنة". قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل فنزلت: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} الآية.
تفسير الطبري (١٤/ ٤٩٩, ح ١٧٢٧٠).
(¬٢) في ب (ومِن جَرْي العقد على يد رسوله). وسقط من ج قوله: (وخليله وخيرته) إلى (العقد رسوله).
(¬٣) (ويهملها) إلى (أعظم الغبن) ساقطة من ج.
(¬٤) (وإنما يظهر له هذا الغبن) ساقطة من ب.
(¬٥) (الفاحش) ساقطة من ج.
(¬٦) (التامة والفرح والسرور) ساقطة من ج.
(¬٧) (وهمه مفرق) ساقطة من ج.

الصفحة 32