كتاب رسالة ابن القيم إلى أحد إخوانه - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وقد أقسم الله -سبحانه- بنفسه الكريمة أنا لا نؤمن حتى نُحَكِّم الرسول فيما شجر بيننا، وننقاد لحكمه وَنُسَلِّمَ تسليمًا (¬١). فلا ينفعنا تحكيم غيره والانقياد له، ولا ينجينا من عذاب الله (¬٢)، ولا يقبل منا هذا (¬٣) الجواب إذا سمعنا نداءه -سبحانه- يوم القيامة: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥)} [القصص: ٦٥]، فإنه لابد أن يسألنا عن ذلك، ويطالبنا بالجواب، قال تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)} [الأعراف: ٦]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "أُوحي إليَّ أنكم بي تُفتَنون وعني تُسألون" (¬٤)، يعني
---------------
(¬١) قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} [النساء: ٦٥].
(¬٢) في ج (الانقياد لغيره) بدل (تحكيم غيره) إلى (عذاب الله).
(¬٣) في ج (هنا) بدل (هذا).
(¬٤) روى الإمام أحمد بسنده عن عائشة - رضي الله عنها - حديثًا طويلًا مرفوعًا، وفيه "فأما فتنة القبر فبي تُفتنون وعنِّي تُسألون" الحديث، (المسند ٧/ ٢٠١، ح ٢٤٥٦٦)، قال المنذري: "رواه أحمد بإسناد صحيح"، (الترغيب والترهيب ٤/ ٣٦٤ - ٣٦٥)، وحسنه الألباني (صحيح الجامع الصغير وزيادته ١/ ٢٨٩ - ٢٩٠، ح ١٣٦١).
وروى البخاري معناه بسنده: ... فحمد اللهَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأثنى عليه ثم قال: "ما من شيء لم أكن أُريته إلا رأيته في مقامي، حتى الجنة والنار، فأُوحى إليَّ أنكم تفتنون في قبوركم مثل -أو قريبًا، لا أدري أي ذلك قالت أسماء- من فتنة المسيح الدجال، يقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن - أو الموقن، لا أدري بأيهما قالت أسماء - فيقول: هو محمد، هو رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا واتبعنا، هو محمد ثلاثًا. فيقال: نم صالحًا، قد علمنا إن كنت موقنًا به. وأما المنافق -أو المرتاب، لا أدري أي ذلك قالت أسماء- فيقول: لا أدري، سمعت =

الصفحة 43