كتاب روضة المستبين في شرح كتاب التلقين (اسم الجزء: 1)

فيها، لأن ذنبها أشد من أن يكفر وهو قول أبي حنيفة وابن حنبل وقال الشافعي: الكفارة فيها، ورآى أنها مسقطة للإثم كغير الغموس. واحتج مالك على أن الغموس غير مكفرة لقوله -عليه السلام-: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار» فهذا يدل على أن الغموس لا تكفر ولا دليل فيه، لأن للشافعي أن يقول هذا مخصوص بما اقتطع به حق الغير، فلا تحرم الكفارة فيه حكم الجنة، لأن فيها الظلم مع الحكم، فإذا أراد المظلمة، وكفر وتاب وسقط عنه جميع الإثم، وإن كفر ولم يرد المظلمة، وإن كفر ولم يرد المظلمة لم يسقط، إذ التوبة من الذنب الواحد لا تتبعض. واحتج أصحاب الشافعي بعموم قوله تعالى: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} وهذا عام في الغموس وغيرها، وظاهر قوله تعالى: {بما عقدتم الأيمان} [المائدة: 89] أن ذلك مخصوص بالمستقبلة الذي يعقد به الحالف على نفسه عقدًا، والله أعلم.
قوله: «والكفارة تجب بالحنث دون البر»: وهذا كما ذكره لا خلاف فيه إلا رواية شاذة منكرة رويت عن مالك أن الكفارة تجب بنفس الحلف لقوله تعالى: {ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم} [المائدة: 89] والمراد فحنثتم. وهو عندنا فحوى الخطاب، والدليل على صحة ذلك قوله -عليه السلام-: (إني والله لا أحلف على شيء فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت

الصفحة 653