كتاب الحواشي السابغات على أخصر المختصرات

ضَرُورَةٌ كأنفٍ (¬١)،
---------------
(¬١) وقد ورد عن أحد الصحابة رضي الله عنهم أنه كُسر أنفه فاتخذ مكانه ذهباً، رواه أبو داود وغيره.
(تتمة) حكم لبس المشالح التي فيها زري من الفضة والذهب: هل يمكن أن نجعله في حكم التابع؟ لا شك أن قيمة المشلح العالية إنما هي بسبب الزري؛ لأن قيمة القماش لا تتجاوز في الغالب ٣٠٠ ريال، فإن كان السعر ٣٠٠٠ ريال، فالمقصود هو الزري لا القماش.
وقد تواصلت مع أحد الإخوة ممن يصنع البشوت - وهو من أهل الاستقامة -، فسألته عن الزري الذي يجعلونه في البشت؟ فقال هو على نوعين:
النوع الأول: خيطٌ من النسيج مطلي بالنحاس، وصناعته هندية، وهو رخيص يتكلف البشت الواحد مِئتا ريال فقط من الرو? ت، ولو عُرِض على النار لم يتحصل منه شيء، بل يتطاير ويتلاشى، قال صاحبنا: وهذا الذي أستخدمه خروجاً من الخلاف والشبهة. قلت: هذا على المذهب مباح على ما يظهر لي، والله أعلم.

النوع الثاني: سلك من الفضة مطلي بماء الذهب - وهو المموه على المذهب - ا? صلي، ومنه عيار (١٠)، و (٧)، و (٥) ونصف. وأعلاه ا? ول، وصناعته إما ألمانية - وهو أجود - وإما فرنسية، والبشت الواحد يحتاج على ا? قل إلى ١٧ لفة تُسمى «كلافة»، وسعر الواحدة منها على ا? قل: ٩٢ ريالاً، وهذا النوع أصلي يطول بقاؤه ويسهل إصلاحه، وله مميزات كثيرة. فسألته: هل يتحصل منه شيء لو عرض على النار؟ فقال: الصانع للبشت يجمع أثناء صناعته الزري المتقطع الذي يتبقى ويبيعه للصاغة ويصهرونه، ويتحصل منه ماء ذهب وفضة يسيرة.
قلت: الذي يظهر لي - بناء على كلام أهل الاختصاص في صناعة البشوت - أن هذا الزري يحرم استخدامه في البشت، وكذا يحرم البشت المحتوي على هذا النوع من الزري ولو كانت مساحته يسيرةً على المذهب؛ ? نهم قالوا: (ويحرم على ذكر - بلا حاجة - لبسُ منسوج بذهب أو فضة أو مموه بأحدهما، فإن استحال - أي: تغير - لونه ولم يحصل منه شيء أبيح، وإلا فلا) كما في الإقناع، وهذا يحصل منه شيء، فيحرم. وقالوا أيضاً: (وما حرم استعماله من ... مُذَهَّب ... حرم بيعه ونسجه وخياطته وتمليكه وتملكه وأجرته لذلك وا? مر به، ويحرم يسير ذهب تبعاً) انتهى من ا? قناع، والله أعلم. بل حتى لو لم يتحصل منه شيء بعرضه على النار، فيحرم اتخاذه بالشراء ونحوه؛ للقاعدة: (لا يلزم من جواز استدامة شيء جواز اتخاذه وصناعته)، بخلاف ما لو ورثه مثلاً، أو التقطه وملكه بعد تعريفه، فيجوز استعماله.
والرواية الثانية في المذهب التي اختارها شيخ الإسلام، والتي يعمل بها بعض العلماء: جواز يسير الذهب التابع لغيره في اللباس - أي: دون الأواني، فهي أضيق كما قاله شيخ الإسلام، ذكره في الإنصاف -. والظاهر: أن المراد باليسير: هو اليسير في العرف، والمراد باليسير التابع أي: المساحة، فتكون مساحة اليسير التابع أقل من مساحة ما معه، ولو كان ثمن اليسير أكثر مما معه، وعليه فيشترط كونه يسيراً في العرف، وتابعاً لغيره لا منفرداً والله أعلم. (بحث)

الصفحة 208