كتاب الحواشي السابغات على أخصر المختصرات

وَيجب تَقْوِيمُ عَرْضِ التِّجَارَةِ بالأحظ للْفُقَرَاء مِنْهُمَا، وَتُخرج من قِيمَته (¬١)،
وإن اشْترى عرضاً بنصابِ غيرَ سَائِمَة
---------------
(¬١) العرْض بإسكان الراء: ما يعد للبيع والشراء لأجل الربح. وقد تقدم: أنه لا يجزئ إخراج زكاة العروض من عينها؛ لأن الزكاة واجبة في قيمتها إذ هي محل الوجوب. والقيمة إن لم توجد عينًا فهي مقدرة شرعًا، فيخرج من أحد النقدين أو الأوراق النقدية. وننظر إلى الأحظ للفقراء من الذهب والفضة، وفي الوقت الحالي، الأحظ هو الفضة. ويرى شيخ الإسلام جوازَ إخراج زكاة العروض من عينها، ذكره عنه في الإنصاف، قلت: وهو كذلك في الاختيارات، وفي الفتاوى جوَّز إخراجَها من العروض للحاجة أو المصلحةالراجحة، واختاره أيضا الشيخ السعدي كما في الفتاوى السعدية.
(تتمة) يشترط لوجوب الزكاة في عروض التجارة: ١ - أن تبلغ قيمتها نصاباً، ٢ - أن ينوي التجارة حال تملكه لها، ٣ - أن يملكها بفعله كفتح دكان وغيره، أما إذا ملكها بغير فعله كمن ورث بقالة، فلا تكون عرض تجارة، ولا زكاة عليه.
والدليل على وجوب الزكاة في عروض التجارة قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة، ١٠٣]، ومال التجارة أعم الأموال، فهو أولى بالدخول من غيره. والخلاف في وجوبها - كما قال شيخ الإسلام - هو خلاف شاذ. ويرى بعض العلماء المعاصرين عدمَ وجوبها، وهذا فيه ضرر كبير على الفقراء؛ لأن السائمة تكاد تتلاشى، ولا يكاد يوجد ذهب ولا فضة، وأكثر ما تزيد به الأموال الآن هو عروض التجارة، فإذا لم نوجب الزكاة في عروض التجارة لم يبق للفقراء إلا شيء يسير.
ونذكر بعض المسائل التي تتعلق بزكاة العروض:
- من عنده تجارة ثم أتته أموال ليست من عروض التجارة الأُولى، وبدأ بها تجارة أخرى في نصف السنة مثلاً، فيبدأ حولها من نصف السنة. ومن بدأ تجارة بأقل من نصاب ثم بعد مضي مدة بلغ نصاباً، فحينئذ يبدأ الحول بشرط كونه ناوياً التجارة.

- من عنده سيارات للقنية ثم نوى بها التجارة لا تصير للتجارة بمجرد النية حتى يبيعها ويدخل عليه الثمن بنية التجارة، فيبدأ حينئذ حول التجارة. والقول الثاني في المذهب: أنها تنتقل للتجارة بمجرد نية التجارة، واختاره الشيخ ابن عثيمين.
- من عنده بقالة، فإنه يُقوِّم ما عنده بسعر اليوم الذي وجبت فيه الزكاة ويخرجها. فإن باع البقالة كلها قبل الحول بأيام، فعليه أن يزكي ثمنها عند انقضاء ذلك الحول، لا إن قطع نية التجارة بأن اشترى بثمنها بيتاً ونحوه قبل حولان الحول.
- من عنده محل لإصلاح السيارات لا تجب عليه الزكاة في الآلات التي يستعملها، لكن يقوِّم الكفرات (الإطارات) مثلًا كل سنة ويزكيها. وكذا صاحب مغسلة الملابس لا تجب عليه الزكاة في آلات الغسل والكي. أما المواد التي يستعملها، فهي نوعان: ما كان يستهلك كالصابون والمبيِّض الذي يستعمله ويستهلك فلا زكاة فيه، أما الأصباغ التي يزيد بها سعر الثوب أو يبقى أثره، فيجب عليه أن يزكيها إذا حال عليها الحول وهي عنده؛ حتى النِّيل فإنه يبقى أثره.
- العقارات في المذهب تجب فيها زكاة العروض إذا اشتراها بنية الربح. فمن أخذ أرضاً وبقيت عنده سنوات ينتظر ارتفاع الأسعار، فإنه يقومِّها كل سنة ويخرج الزكاة إذا باعها عن كل سنة؛ لأن انتظاره ارتفاع الأسعار هي نية التجارة. وأما إذا اشتراها لحفظ ماله لا للربح، فالظاهر عدم وجوب الزكاة فيها، والله أعلم.
- العين المؤجرة كعمارة تؤجر لا زكاة في عينها بل في الأجرة، ويبدأ حولها من حين العقد، فإذا حال الحول وهي عنده وجبت زكاتها إن كانت نصاباً.
- كما تجب زكاة العروض في الأعيان، فإنها تجب أيضاً في المنافع، وهي مسألة صعبة جداً مذكورة في المنتهى، وتحتاج لتحرير، والله أعلم.

الصفحة 211