ينبغي القول به دون سواه، وهو أن الكلام العربي ـ مطلقاً ـ على ثلاثة أنواع:
قرآن، نثر، شعر، فليس القرآن نثراً وإن استعمل جميع أساليب النثر عند العرب، وليس القرآن شعراً وإن اشتمل على جميع بحور الشعر العربي حتى ما تداركه الأخفش على الخليل فسمي متداركاً، وهو الخبب، بل هو قرآن وكفى (إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون) (1).
قال الجاحظ (ت: 255 هـ): «وقد سمى الله كتابه المنزل قرآناً، وهذا الاسم لم يكن حتى كان» (2).
وإذا تم هذا فهو كلام الله تعالى وحده، وأنى يقاس كلام البشر بكلام الله، هو إذن مميز حتى في التسمية عن كلام العرب تشريفاً له، واعتداداً به، وإن وافق صور الكلام العربي، وجرى على سننه في جملة من الأبعاد، كما يقال عند البعض، أو كما يتوهم، بأن ختام فواصله المتوافقة هي من السجع، فالتحقيق يقتضي الفصل بين الأمرين، لأن مجيء كثير من الآيات على صورة السجع لا توجب كونه هو، أو أنها منه «لأنه قد يكون الكلام على مقال السجع وإن لم يكن سجعاً، لأن السجع من الكلام، يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدي السجع، وليس كذلك مما هو في معنى السجع من القرآن، لأن اللفظ وقع فيه تابعاً للمعنى، وفرق بين أن يكون المعنى منتظما دون اللفظ، وبين ان ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تودي المعنى المقصود فيه، ومتى ارتبط المعنى بالسّجع كان إفادة السّجع كإفادة غيره ومتى انتظم المعنى بنفسه دون السجع مستجلباً لتحسن الكلام دون تصحيح المعنى» (3).
وقد رأينا عند تعقب هذه الظاهرة: أن التعبير المسجوع في القرآن لا تفرضه طبيعة النسق القرآني فحسب كما يخيل للكثيرين عند النظر في مثل قوله تعالى: (الهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر) (4). بدليل أنه
__________
(1) الواقعة: 77 ـ 78.
(2) الجاحظ، الحيوان: 1|348.
(3) الزركشي، البرهان: 1|56.
(4) التكاثر: 1 ـ 2.