كتاب الصوت اللغوي في القرآن

والسائل في الثانية، وحقه التأخير في صناعة الاعراب، وقد جاء ذلك مراعاة لنسق الفاصلة من جهة، وإلى الاختصاص من جهة أخرى، للعناية في الأمر.
ولعل ابن الأثير (ت: 637 هـ) كان مصيباً جداً حينما أرجع ذلك إلى الاختصاص ونظم الكلام، ولم يقل بأحدهما (1). بينما عاد بها إبراهيم أنيس إلى مراعاة موسيقى الفاصلة القرآنية إذ لا يصح للمفعول أن يسبق ركني الاسناد في الجملة المثبتة كما يزعم أصحاب البلاغة (2).
وقد رده الدكتور أحمد مطلوب في هذا الملحظ، لأن الهدف ليس القهر والنهر في المقام الأول، وأنما الرجحة باليتيم والسائل، ولذلك تقدم المفعولان على فعليهما، ولو كان القصد غير ذلك لتأخرا وجاءا على نسق الكلام المحفوظة رتبته (3).
ومهما يكن من أمر، فأن السجع عند العرب مهمة لفظية تأتي لتناسق أواخر الكلمات في الفقرات وتلاؤمها، فيكون الإتيان به أنى اتفق لسد الفراغ اللفظي، وأما مهمة الفاصلة القرآنية فليس كذلك، بل هي مهمة لفظية معنوية بوقت واحد، إنها مهمة فنية خالصة، فلا تفريط في الألفاظ على سبيل المعاني، ولا اشتطاط بالمعاني من أجل الألفاظ، بينما يكون السجع في البيان التقليدي مهمة تنحصر بالألفاظ غالباً، لذلك ارتفع مستوى الفاصلة في القرآن بلاغياً ودلالياً عن مستوى السجع فنياً، وإن وافقه صوتياً.
وهنا نشير إلى أن ابن سنان الخفاجي (ت: 466 هـ) قد رد جزءاً من هذه المفاضلة بين السجع والفاصلة، وخلص إلى سبب التسمية في معرض نقاشه لعلي بن عيسى الرماني؛ «وأما قول الرماني إن السجع عيب، والفواصل على الإطلاق بلاغة فغلط، فإنه إن أراد بالسجع ما تتبع المعنى، وكأنه غير مقصود فذلك بلاغة، والفواصل مثله، وإن كان يريد بالسجع ما
__________
(1) ظ: ابن الأثير، المثل السائر: 2|39.
(2) ظ: إبراهيم أنيس، من أسرار العربية: 312.
(3) ظ: أحمد مطلوب، بحوث لغوية: 58.

الصفحة 147