كتاب الصوت اللغوي في القرآن

الشعر، وما يذكر من عيوب القافية من اختلاف الحد والإشباع والتوجيه فليس بعيب في الفاصلة، وجاز الانتقال في الفاصلة، والقرينة، وقافية الأرجوزة بخلاف قافية القصيدة» (1).
ومن هنا كان التنقل في فواصل القرآن، إذ لا يلتزم فيها الوقوف عند حرف معين في مواضع من السور، ويلتزمه في مواضع أخر، ويجمع بين الالتزام وعدمه في بعض السور، لأن الانتقال من الوقوف على حرف إلى الوقوف على حرف آخر، أو صيغة تعبيرية أخرى في فواصل القرآن، أمر مطرد وشائع، ونماذجه هائلة، كما أن الالتزم شائع أيضاً، والجمع بينهما وارد كذلك، ومن هنا تبرز ثلاثة ملامح على سبيل المثال:
الأول: جمع القرآن بين «تحشرون» و «العقاب» وهما مختلفان في حرف الفاصلة والزنة في قوله تعالى:
(وأعلموا أن الله يحول بين المرء وقبله وأنه إليه تحشرون * واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة وأعلموا أن الله شديد العقاب) (2).
وفي السورة نفسها جمع بين «تعلمون» و «عظيم» (3). وهذا مطرد في القرآن بآلاف الأمثلة.
الثاني: الوقف عند حرف معين لا يتغير في الفاصلة كما في سور عدّة، ونماذج متعددة، فمن أمثلته عادة جملة من السور القصار، كالقدر، والعصر، والفيل، واليل، والكوثر، والاخلاص، والناس، وجملة من السور الوسطى كالأعلى والقمر، وفيها جميعاً مراعاة للمنهج الصوتي، والبعد الإيقاعي، ويتجلى النغم الصوتي المتميز بأبهى صوره، وأروع مظاهره في سورة القمر، إذ تختتم فيها الفاصلة بصوت الراء مردداً بين طرف اللسان وأول اللهاة مما يلي الأسنان.
__________
(1) السيوطي، الاتقان: 3|291.
(2) الأنفال: 24 ـ 25.
(3) ظ: الأنفال: 27 ـ 28.

الصفحة 149