كتاب الصوت اللغوي في القرآن

الفصاحة، ولكنها مغالطة واضحة «ولو كان ذلك لكانت النفوس تتشوق إلى معارضته، لأن طريق الشعر غير مستصعب على أهل الزمان الواحد، وأهله يتقاربون فيه، أو يضربون فيه بسهم» (1).
الرابع: إن الشعر إنما يقصد إليه بذاته فينظم مع إرادة ذلك، ولا يتفق اتفاقاً أن يقول أحدهم كلاماً فيأتي موزوناً، فالشعر «إنما ينطلق متى قصد إليه على الطريق التي تعمد وتسلك، ولا يصح أن يتفق مثله إلا من الشعراء دون ما يستوي فيه العامي والجاهل والعالم بالشعر واللسان وتصرفه، وما يتفق من كل واحد، فليس بشعر فلا يسمى صاحبه شاعراً، وإلا لكان الناس كلهم شعراء، لأن كل متكلم لا ينفك أن يعرض في جملة كلامه ما يتزن بوزن الشعر وينتظم بانتظامه» (2).
سقنا هذا في حيثية تنزيه القرآن عن سمة الشعر وصفته، لأنه قد وجد فيه ما وافق شعراً موزوناً، وما يدريك فلعل القرآن يريد أن يقول للعرب: إن هذا الشعر الذي تتفاخرون به، نحن نحيطكم علماً بأوزانه على سبيل الأمثلة لتعتبروا بسوقها سياق القرآن في صدقه وأمانته، ولا غرابة أن يكون القرآن يريد أن ينحو الشاعر بشعره منحى الحق والصرامة والفضيلة والصدق، ومع هذا وذاك فما ورد من الموزون فيه جار على سنن العرب في كلامها، إذ قد يتفق الموزون ضمن المنثور، بلا إرادة للموزون، ولا تغيير للمنظوم. فقد حكى الزركشي (ت: 794 هـ) أن إعرابياً سمع قارئاً يقرأ: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) (3).
فقال كسرت، إنما قال:
يا أيها الناس اتقوا ربكم ... زلزلة الساعة شيء عظيم

فقيل له: هذا القرآن، وليس الشعر (4).
فاعتقده لأول مرة شعراً فحذف «أن» ليستقيم الوزن فيما عنده. ولو قلنا بالإيقاع الصوتي، وفسرنا الورود البياني لهذا المظهر الموزون بمجانسة
__________
(1) الباقلاني، إعجاز القرآن: 82. ... (3) الحج: 1.
(2) المصدر نفسه: 83. ... (4) الزركشي، البرهان: 2|116.

الصفحة 158