كتاب الصوت اللغوي في القرآن

وهذا مما ينطبق على استيحاء الدلالة الصوتية في القرآن بجميع الأبعاد، يضاف إليه الوقع السمعي للفظ، والتأثير النفسي للكلمة، والمدلول الأنفعالي بالحدث، وتلك مظاهر متأنقة قد يتعذر حصرها، وقد يطول الوقوف عند استقصائها.
وكان من فضيلة القرآن الصوتية أن استوعب جميع مظاهر الدلالة في مجالاتها الواسعة، وتمرس في استيفاء وجوه التعبير عنها بمختلف الصور الناطقة، وقد يكون من غير الممكن استحضار جميع الصيغ في استعمالات منها، أو ما يبدو أنه مهم في الأقل، وذلك باستطراد بعض النماذج النابضة فيما أخال وأزعم، وقد يعبر كل نموذج منها عن مظهر فني، ليقاس مثله عليه، وشبيهه به، وبذلك يتأتى للباحث والمتلقي إلقاء الضوء الكاشف على أبعاد دلالة القرآن الصوتية، في تشعب جوانبها، وعظمة انطلاقها، مما يكوّن معجماً لغوياً خاصاً بمفرداتها، وقاموساُ صوتياً حافلاً بإمكاناتها.
سيقتصر حديثنا عن مظاهر الدلالة في مجالات قد تكون متقابلة، أو متناظرة، أو متضادة، أو متوافقة، وهي بمجموعها تكون أبعاد الدلالة الصوتية في القرآن، وهذا ما تتكفّل بإيضاحه المباحث الآتية.
دلالة الفزع الهائل:
استعمل القرآن طائفة من الألفاظ، ثم اختيار أصواتها بما يتناسب مع أصدائها، واستوحى دلالتها من جنس صياغتها، فكانت دالة على ذاتها بذاتها، فالفزع مثلاً، والشدة، والهدة، والاشتباك، والخصام، والعنف، دلائل هادرة بالفزع الهائل والمناخ القاتل.
1ـ قف عند مادة صرخ في القرآن، وصرخة الصّيحة الشديدة عند الفزع، والصراخ الصوت الشديد (1). لتلمس عن كثب، وبعفوية بالغة: الاستغاثة بلا مغيث، في قوله تعالى: (وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً) (2). مما يوحي بأن الصراخ قد بلغ ذروته، والاضطراب قد تجاوز
__________
(1) ظ: ابن منظور، لسان العرب: 4|2.
(2) فاطر: 37.

الصفحة 165