كتاب الصوت اللغوي في القرآن

الإيقاع به، وما ذلك إلا نتيجة خوف نازل، وفزع متواصل، وتشبث بالخلاص.
2ـ وما يستوحى من شدة اللفظ في مادة «صرخ» يستوحى بإيقاع مقارب من قوله تعالى: (ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون) (1). لتبرز «متشاكسون» وهي تعبر لغة عن المخاصمة والعناد والجدل في أخذ ورد لا يستقران، وقد تعطي معناها الكلمة: متخاصمون، ولكن المثل القرآني لم يستعملها حفاظاً على الدلالة الصوتية التي أعطت معنى النزاع المستمر، والجدل القائم، وقد جمعت في هذه الكلمة حروف التفشي والصفير في الشين والسين تعاقباً، تتخللهما الكاف من وسط الحلق، والواو والنون للمد والترنم، والتأثر بالحالة، فأعطت هذه الحروف مجتمعة نغماً موسيقياً خاصاً حمّلها أكثر من معنى الخصومة والجدل والنقاش بما أكسبها أزيزاً في الأذن، يبلغ به السامع أن الخصام ذو خصوصية بلغت درجة الفورة، والعنف والفزع من جهة، كما أحيط السمع بجرس مهموس معين ذي نبرات تؤثر في الحس والوجدان من جهة أخرى.
3ـ وتأمل مادة «كبّ» في القرآن، وهي تعني إسقاط الشيء على وجهه كما في قوله تعالى: (فكبت وجوههم في النار) (2). فلا إنقاذ ولا خلاص ولا إخراج، والوجه أشرف مواضع الجسد، وهو يهوي بشدة فكيف بباقي البدن.
والأكباب جعل وجهه مكبوباً على العمل، قال تعالى: (أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدا) (3).
والكبكبة تدهور الشيء في هوة (4). قال تعالى: (فكبكبوا فيها هم والغاون) (5).
__________
(1) الزمر: 29.
(2) النمل: 90.
(3) الملك: 22.
(4) الراغب، المفردات: 420.
(5) الشعراء: 94.

الصفحة 167