كتاب الصوت اللغوي في القرآن

وقال الطريحي (ت: 1085 هـ) الصاخة بتشديد الخاء يعني القيامة، فإنها تصخ الأسماع، أي تقرعها وتصمها، يقال: رجل أصخ، إذا كان لا يسمع (1). والمعاني كلها متقاربة في الدلالة، إلا أن الرغب (ت: 502 هـ) يعطي الصاخة دلالة أعمق في الإرادة الصوتية المنفردة فيقول: الصاخة شدة صوت ذي المنطق (2).
فيكون استعمالها حينئذ في القيامة على سبيل المجاز. فإذا وقفنا عند الطامة، فهي القيامة تطم على كل شيء (3). وإليه ذهب الزجاج: الطامة هي الصيحة التي تطم على كل شيء (4). وتسمى الداهية التي لا يستطاع دفعها: طامة (5). قال تعالى: (فإذا جآءت الطامة الكبرا) (6).قال الطبرسي (ت: 548 هـ) «وهي القيامة لأنها تطم كل داهية هائلة، أي تعلو وتغلب، ومن ذلك قيل: ما من طامة إلا وفوقها طامة، والقيامة فوق كل طامة، فهي الداهية العظمى» (7).
ولعل اختيار الطبرسي للداهية في تفسير الطامة باعتبارها داهية لا يستطاع دفعها، ولأن القيامة تطم كل داهية هائلة، لا يخلو من وجه عربي أصيل، فالعرب استعملت الطامة في الداهية العظيمة تغلب ما سواها، وأية داهية أعظم من القيامة لا سيما وهي توصف هنا بالكبرا.
إن موافقة أصوات الحاقة والصاخة والطامة لمعانيها في الدلالة على يوم القيامة، من أعظم الدلالات الصوتية في الشدة والوقع والتلاؤم البنيوي والمعنوي لمثل هذه الصيغة الحافلة.
ودلالة هذه الصيغة في: دابة، وكافة، على الشمول والكلية المطلقة يوحي بالمضمون نفسه في الإيقاع الصوتي، قال تعالى: (وما من دآبة في
__________
(1) الطريحي، مجمع البحرين: 2|437.
(2) الراغب، المفردات: 275.
(3) الفراء، معاني القرآن: 3|234.
(4) ابن منظور، لسان العرب: 15|263.
(5) الطبرسي، مجمع البيان: 5|433.
(6) النازعات: 34.
(7) الطبرسي، مجمع البيان: 5|434.

الصفحة 170