كتاب الصوت اللغوي في القرآن

فالصوت في المعاني كلها الصوت نفسه، والصدى ذات الصدى، ومن هنا أورد الراغب (ت: 502 هـ): أن الرجس يقع على أربعة أوجه: إما من حيث الطبع، وأما من جهة العقل، وإما من جهة الشرع، وإما من كل ذلك. والرجس من جهة الشرع الخمر والميسر، وقيل: إن ذلك رجس من جهة العقل، وجعل الله تعالى الكافرين رجساً من حيث أن الشرك بالعقل أقبح الأشياء (1).
3 ـ وحينما نقف عند الصاد في مثل قوله تعالا:
(قالت أمرأت العزيز الآن حصحص الحق) (2). فإننا نستمع إلى الصوت المدوّي، إذ كانت الصاد واضحة الصدور من المخرج الصوتي. فكانت «حصحص» واضحة الظهور بانكشاف الأمر فيما يقهره على الأذغان، وهنا قد يمتلكك العجب لدى اختيار هذا اللفظ في أزيزه، ووضوح أمره مع القهر، فلا تردّ دلائله، ولا تخبو براهينه.
فإذا شددت الصاد كانت دلالتها الصوتية، وإرادتها المعنوية، أوضح لزوماً، وأشد استظهاراً، وأكثر إمعاناً كما في قوله تعالا: (أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور) (3).
فالتحصيل إخراج اللب من القشور، كإخراج الذهب من حجر المعدن، والبر من السنابل، فهو إضهار لما فيها كإظهار اللب من القشر، أو كإظهار الحاصل من الحساب (4).
والصوت في صيغة الإرعاب، وفي سياق الوعيد، قد تلمس فيه نزع ما في القلوب من أسرار، واستخراج ما فيها من خفايا، دون طواعية من أصحابها؟؟.
وقد يعطي دوي العبارة، وهيكل البيان، صيغة الإنذار، وأنت تصطدم بالوقوف عند السين من حروف الصفير في قوله تعالى: (فلآ أقسم بالخنس *
__________
(1) ظ: الراغب، المفردات: 188. ... (3) العاديات: 9 ـ 10.
(2) يوسف: 51. ... (4) ظ: الراغب، المفردات: 121.

الصفحة 181