كتاب الصوت اللغوي في القرآن

فتجد استطالة هذين الحرفين في كلا الموضعين، لا يصدهما شيء صوتياً، وهما يتراوحان دلالياً في ألفاظ تحتكم الشدة واللين، فالتذكير بخلق النفس الإنسانية قسماً إلى جنب عملها بين الفجور والتقوى، والتحذير من الناقة إلى جنب التحذير من منع السقيا.
وفي الصوامت تجد مادة «مسّ» قي القرآن بأزيزها الحاكم، وصوتها المهموس، ونغمها الرقيق، نتيجة لتضعيف حرف الصفير، أو التقاء حرفيه متجاورين كقوله تعالى: (ولو لم تمسسه نار) (1).
هذه المادة في رقتها صوتياً، وشدتها دلالياً، تجمع بين جرس الصوت الهادىء، وبين وقع الألم الشديد، فالمس يطلق ـ عادة ـ ويراد به كل ما ينال الإنسان من أذى ومكروه في سياق الآيات التالية:
قال تعالى: (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) (2).
وقال تعالى: (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم) (3).
وقال تعالى: (فإذا مس الإنسان ضر دعانا) (4).
وقال تعالى: (ولئن اذقناه نعماء بعد ضرآء مسته) (5).
وقال تعالى: (ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك) (6).
وقال تعالى: (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيمآ أخذتم عذاب عظيم) (7).
وقال تعالى: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) (8).
فهذه الصيغ المختلفة من المادة، أوردناها للدلالة على شدة البلاء،
__________
(1) النور: 35. ... (5) هود: 10.
(2) آل عمران: 140. ... (6) الأنبياء: 46.
(3) الروم: 33. ... (7) الأنفال: 68.
(4) الزمر: 49. ... (8) الأنبياء: 83.

الصفحة 183