كتاب الصوت اللغوي في القرآن

ب ـ (إنّا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر) (1).
هذه المادة في هذه الصيغ الثلاث: مرفوعة، مجرورة، منصوبة، وردت في القرآن وأنت تلمس فيها اصطكاك الأسنان، وترديد اللسان، فالصاد في وقعها الصارخ، والراء المضعّفة، والتكرار للمادة في صرصر، قد أضفا صيغة الشدة، وجسّد صورة الرهبة، فلا الدفء بمستنزل، ولا الوقاية متيسرة، وذلك ما يهد كيان الإنسان عند التماسه الملجأ فلا يجده، أو النجاة فلا يصل شاطئها، أو الوقاية من البرد القارس فلا يهتبلها.
في لفظ «الصر» ذائقة الشتاء، ونازلة الثلوج، وأصوات الرياح العاتية، مادة الصر إذن: كما عبر عنها الراغب (ت: 502 هـ) «ترجع إلى الشدة لما في البرودة من التعقد» (2).
قال الزمخشري (ت: 538 هـ): «الصر الريح الباردة نحو الصرصر، وفيه أوجه:
أحدها: أن الصر في صفة الريح بمعنى الباردة، فوصف بها القرة بمعنى فيها قرة صر، كما تقول: برد بارد على المبالغة.
الثاني: أن يكون الصر مصدراً في الأصل بمعنى البرد فيجيء به على أصله.
الثالث: أن يكون شبه ما كانوا ينفقون بالزرع الذي جسه البرد فذهب حطاماً (3).
ولكننا نضع أيدينا على الحس الصوتي في اللغة، فيعطينا دلالة خاصة، مواكبة لسياق الحدث في هذا الصوت؛ فريح صر وصرصر شديدة البرودة، وقيل: شديدة الصوت، وصر وصرصر: صوت الصرير.
قال ابن الأنباري في قوله تعالى: (كمثل ريح فيها صر) (4). فيها أقوال: أحدها: فيها صر أي برد، والثاني فيها تصويت وحركة.
__________
(1) القمر: 19. ... (3) الزمخشري، الكشاف: 1|457.
(2) الراغب، المفردات: 279. ... (4) آل عمران: 117.

الصفحة 187