كتاب الصوت اللغوي في القرآن

النبر يُعنى عادة بمتابعة العلو في بعض الكلمات لأنه لا يسم وحدة أصواتية واحدة، بل منظومة من الوحدات الأصواتية (1).
والتنغيم ـ كما أفهمه ـ يعني عادة بمتابعتة صوت المتكلم في التغيرات الطارئة عليه أصواتياً بما يلائم توقعات النفس الإنسانية للتعبير عن الحالات الشعورية واللاشعورية.
وكان المستشرق الألماني الدكتور براجشتراس قد وقف موقف المتحير حيناً، والمتسائل حيناً آخر، من معرفة علماء العربية بمصطلح النبر، فهو لم يعثر على نص يستند عليه، ولا أثر يلتجىء إليه في إجابة العربية عن هذا الأمر (2).
والحق أن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود كما يقال؛ غير أن القدماء من العرب لم يدرسوا النبر في تأثيره في اللغة، بل لأنه يعنى بضغط المتكلم على الحرف، وبذلك ربطوه بالتنغيم أحياناً، وبالإيقاع الذي يهز النفس، ويستحوذ على التفكير، وقد اختار عبد الصبور شاهين مقطعاً من خطبة تروى لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب 7 أثبتها وعقب عليها، قال الإمام علي فيما روي عنه: «من وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن قال: فيم؟ فقد ضمَّنه، ومن قال: علام؟ فقد أخفى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شيء لا بمقارنة، وغير كل شيء لا بمزاولة». وللقارىء أن يتخيل أداء هذه الجمل المتتابعة موقعة على نحو يشد إليها أسماع الناس، ويستأثر بإعجابهم» (3).
الحق أن اللحاظ المشترك بين النبر والتغنيم عند العرب القدامى يجب أن يكون موضع عناية من الناحية النظرية، مع فرض توافره تطبيقاً
__________
(1) ظ: مالمبرج، علم الأصوات: 187.
(2) ظ: براجشتراسر، التطور النحوي: 46.
(3) عبد الصبور شاهين، علم الأصوات الدراسة: 200.

الصفحة 27