كتاب الصوت اللغوي في القرآن

الاحصاء، ورأيه في الاستنباط ومسلكية التصنيف الجديد، والأهم الذي نصبو إليه «إن مقدمة العين على إيجازها؛ أول مادة في علم الأصوات دلت على أصالة علم الخليل، وأنه صاحب هذا العلم ورائده الأول» (1).
يبدأ الخليل المقدمة بالصوت اللغوي عند السطر الأول بقوله: «هذا ما ألفه الخيل بن أحمد البصري من حروف:
أ. ب. ت. ث ... » (2).
وأضاف أنه لم يمكنه «أن يبتدىء التأليف من أول: أ، ب، ت، ث، وهو الألف، لأن الألف حرف معتل، فلما فاته الحرف الأول كره أن يبتدىء بالثاني ـ وهو الباء ـ إلا بعد حجة واستقصاء النظر، فدبّر ونظر إلى الحروف كلها، وذاقها فوجد مخرج الكلام كله من الحلق، فصيّر أولاها بالابتداء أدخل حرف في الحلق» (3).
ومعنى هذا أن الخليل قد أحاط بالترتيب (الألفبائي) من عهد مبكر، ولم يشأ أن يبتديء به مع اهتدائه إليه، لأن أول حرف في هذا النظام حرف معتل، ولا معنى أن يبتدىء بما يليه وهو الباء لأنه ترجيح بلا مرجح، وتقديم دون أساس، فذاق الحروف تجريبياً، فرأى أولاها بالابتداء حروف الحلق، وذاقها مرة أخرى، فرأى (العين) أدخل حرف منها في الحلق، بل في أقصى الحلق.
قال ابن كيسان: (ت:299 هـ) سمعت من يذكر عن الخليل أنه قال: «لم أبدأ بالهمزة لأنها يلحقها النقص والتغيير والحذف، ولا بالألف لأنها لا تكون في ابتداء كلمة لا في اسم ولا فعل إلا زائدة أو مبدلة، ولا بالهاء لأنها مهموسة خفية لا صوت لها، فنزلت إلى الحيز الثاني وفيه العين والحاء، فوجدت العين أنصع الحرفين فابتدأت به ليكون أحسن في التأليف» (4).
__________
(1) مقدمة التحقيق لكتاب العين:1|10.
(2) الخليل: كتاب العين: 1|47.
(3) نفس المصدر:1|47.
(4) السيوطي: المزهر: 1|90.

الصفحة 40