كتاب الصوت اللغوي في القرآن

إن الدور المميز للغة بالنسبة للفكر ليس وسيلة صوتية مادية للتعبير عن الأفكار، بل القيام بوظيفة حلقة الوصل بين الفكر والصوت، في ظروف تؤدي بالضرورة إلى التمييز المتبادل لوحدات الفكر والصوت» (1).
إن هذا المنحنى من التخطيط الصوتي هو الذي يرمي إليه الخليل في مقدمة العين ليخلص إلى صلة التفاعل الحقيقي بين الأفكار والأصوات، بل أنه يحصر ما في كتاب العين من لغة وتصريف واشتقاق بمنطق تذوقه لأصوات حروف المعجم «فإذا سئلت عن كلمة وأردت أن تعرف موضعها، فانظر إلى حروف الكلمة، فمهما وجدت منها واحداً في الكتاب المقدم (يعني مقدمة العين) فهو ذلك الكتاب» (يعني كتاب العين) (2).
فهو يرى في اللغة امتداداً طبيعاً للأصوات أولاً فيربطها بها ارتباط الأصل بالفرع، ونعني بذلك ربط الأصوات أصلاً، باللغة باعتبارها متفرعة عن الأصوات.
4 ـ ولعل أهم ما توصل إليه الخليل في علم الأصوات حصره للمعجم العربي بأبعاد صوتية فضلاً عن وصف الأصوات منفردة ومجتمعة منضمّة إلى سواها. وإني ليمتلكني العجب حينما أجده يضع حداً جديداً، ومعياراً فنياً متوازناً، للكلمات العربية باشتمالها على الحروف الذلق والشفوية؛ وللكلمات الأعجمية التي لا تتشمل على واحد من حروف الذلاقة والشفة.
هذا المقياس الفني الصوتي لدى الخليل لم يخطىء ولا مرة واحدة حتى في كلمة احدة، فيما له من مقياس ما أكلمه.
يقول الخليل: «فإن وردت عليك كلمة رباعية أو خماسية معرّاة من حروف الذلق أو الشفوية، ولا يكون في تلك الكلمة من هذه الحروف حرف واحد أو اثنان أو فوق ذلك، فاعلم أن تلك الكلمة محدثة مبتدعة، ليست من كلام العرب، لأنك لست واجداً من يسمع من كلام العرب
__________
(1) دي سوسور: علم اللّغة العام: 131 وما بعدها.
(2) ظ: الخليل، كتاب العين: 1|47.

الصفحة 48