كتاب الصوت اللغوي في القرآن

بكلمة واحدة رباعية أو خماسية إلاّ وفيها من حروف الذلق أو الشفوية واحد أو اثنان أو أكثر» (1).
فهو هنا وبحس صوتي جامع مانع: يدرأ الدخيل والمعرّب والمولّد والمحدث والمبتدع عن لغة العرب، وتلك ميزة ما بعدها ميزة في هذا الخضم المتلاطم من الكلمات واللغى.
قال الليث: قلت: فكيف تكون الكلمة المولدة المبتدعة غير مشوبة بشيء من هذه الحروف؟ فقال نحو:
(الكشعثج والخضعثج والكشعطج وأشباههن) فهذه مولدات لا تجوز في كلام العرب، لأنه ليس فيهن شيء من حروف الذلق والشفوية فلا تقبلن منها شيئاً، وإن أشبه لفظهم وتأليفهم، فإن النحارير منهم ربما أدخلوا على الناس ما ليس في كلام العرب إرادة اللبس والتعنيت» (2).
وليس جديداً بعد العروض السابقة القول بأن الخليل كان ضليعاً بكل تفصيلات الجهاز الصوتي عند الإنسان، ولا يضيره ـ إن صح ما يقال ـ أن لا يذكر الوترين الصوتيين، لأنه ليس عالماً بالتشريح، ولا متخصصاً بجراحة الحنجرة، وما اضطلع بمهمة طبية قط، وما ذكره من أجزاء هذا الجهاز فيه الكفاية لعصره إن لم نقل للعصور كافة، لأنه قد تضمن بكثير من الأبعاد الإشارة لهذه المباحث التي تفرغ لها الأوروبييون.
قال جملة من الأساتيذ:
«ومن أحسن ما عرض له العرب في دراسة الأصوات ما نجده عند الخليل من وصف الجهاز الصوتي، وهو الحلق والفم إلى الشفتين، وتقسيمه إياه إلى مناطق ومدارج يختص كل منها بحرف أو مجموعة حروف، وما أشار إليه من ذوق الحروف لبيان حقيقة المخرج، فقد هدي بذكائه المتفوق في ذلك إلى مقاييس صحيحة أقرّ كثيراً منها علماء الأصوات المحدثون» (3).
__________
(1) الخليل، كتاب العين: 1|52.
(2) المصدر نفسه: 1|52 وما بعدها.
(3) مصطفى السقا وآخرون، مقدمة تحقيق سر صناعة الاعراب: 1|13.

الصفحة 49