كتاب الصوت اللغوي في القرآن

خروجه، وعوامل تقاطعه، واختلاف جرسه بحسب اختلاف مقاطعه، وبذلك يعطينا الفروق المميزة بين الأصوات والحروف فيقول:
«إعلم أن الصوت عرض يخرج مع النفس مستطيلاً متصلاً، حتى يعرض له في الحلق والفم والشفتين مقاطع تثنيه عن امتداده واستطالته، فيسمى المقطع أينما عرض له حرفاً، وتختلف أجراس الحروف بحسب مقاطعها، وإذا تفطنت لذلك وجدته على ما ذكرته لك، ألا ترى أنك تبتدىء الصوت من أقصى حلقك، ثم تبلغ به أي المقاطع شئت، فتجد له جرساً ما، فإن انتقلت عنه راجعاً منه أو متجاوزاً له ثم قطعت، أحسست عند ذلك صدى غير الصدى الأول، وذلك نحو الكاف، فإنك إذا قطعت بها سمعت هنا صدى ما، فإن رجعت إلى القاف سمعت غيره، وإن جزت إلى الجيم سمعت غير ذينك الأولين ... (1)
هذا العرض في إحداث الصوت كشف لنا عن مصطلح حديث عند الأوروبيين هو المقطع، وأقف عنده لما استقطبه هذا الاصطلاح الذي سيره «ابن جني» من مناقشات وممارسات أصواتية متميزة، كان هو الأساس فيها في الدلالة الدقيقة على المعنى المراد دون غيره عند الأصواتيين العالميين.
الأصوات عادة تتجمع في وحدات، تكون تلك الوحدات أكبر من الأصوات بالضرورة، لأنها أطول مسافة صوتية، فتشكل في أكثر من صوت وحدة صوتية معينة، وأهم هذه الوحدات هو المقطع الذي تذوقه ابن جني، فرأى فيه ما يثني الكلام عن استطالته وامتداده تارة، وما تحس به صدى عند تغير الحرف غير الصدى الأول تارة أخرى.
والتعريف البسيط للمقطع هو «تأليف أصواتي بسيط، تتكون منه واحداً أو أكثر كلمات اللغة، متفق مع إيقاع التنفس الطبيعي، ومع نظام اللغة في صوغ مفرداتها» (2).
وقد جرى تأليف المقطع العربي على البدء بحرف صامت، ويثنى
__________
(1) ابن جني، سر صناعة الاعراب: 1|6.
(2) عبد الصبور شاهين، علم الأصوات ـ الدراسة: 164.

الصفحة 63