كتاب الصوت اللغوي في القرآن

ويشبهه بمراوحة الزامر أنامله على خروق الناي لسماع الأصوات المتنوعة والتشعبة بحسب تغييره لوضع أنامله لدى فتحتات المزمار، «فإذا وضع الزامر أنامله على خروق الناي المسنوقة، وراوح بين أنامله، اختلفت الأصوات، وسمع لكل منها صوت لايشبه صاحبه، فكذلك إذا قطع الصوت في الحلق والفم، باعتماد على جهات مختلفة، كان سبب استماعنا هذه الأصوات المختلفة» (1).
وكذلك تعقيبه على هذا التمثيل في إحداث الصوت بالنسبة لأوضاع أجهزة الصوت، بتشبيهه ذلك بوتر العود، وكيفيية ضربه ببعض أصباع اليسرى أو جسة في اليمنى مما يحدث أصواتاً مختلفة عند تلقي الأذن لذلك فتتذوق من خلال ذلك جوهر الصوت، كما تتذوقه في أصوات الحروف تبعاً للرقة والصلابة في الوتر، وكذلك الحال بالنسبة للوترين الصوتيين في جهاز النطق الصوتي عند الإنسان، يقول:
«ونظير ذلك أيضاً وتر العود، فإن الضارب إذا ضربه وهو مرسل سمعت له صوتاً، فإن حصر آخر الوتر ببعض أصابع يسراه، أدى صوتاً آخر، فإن أدناها قليلاً، سمعت غير الإثنين، ثم كذلك كلما أذنى إصبعه من أول الوتر غفلاً غير محصور، تجده بالإضافة إلى ما أداه وهو مضغوط محصور، أملس مهتزاً، ويختلف ذلك بقدر قوة الوتر صلابته، وضعفه ورخاوته، فالوتر في هذا التمثيل كالحلق، والخفقة بالمضراب عليه كأول الصوت في أقصى الحلق، جريان الصوت فيه غفلاً غير محصور كجريان الصوت في الألف الساكنة، وما يعترضه من الضغط والحصر بالأصابع كالذي يعرض للصوت في مخارج الحروف من المقاطع، واختلاف الأصوات هناك كاختلافها هنا» (2).
إن ما أبداه ابن جني من تفصيل تمثيلي دقيق لجهاز النطق عند الإنسان وأثر انطلاق الهواء مضغوطاً وغير مضغوط في إحداث الأصوات مختلفة بحسب إرادة الناطق أو الموصوّت: هو ما تبناه علم الأصوات
__________
(1) ابن جني، سر صناعة الإعراب: 1|9.
(2) المصدر نفسه: 1|9 ـ 10.

الصفحة 67