كتاب الصوت اللغوي في القرآن

الخاص باسم التذبذب» (1).
أستطيع القول من خلال النص المتقدم دون مبالغة أو تردد: إن هذا النص يكاد أن يكون ترجمة عصرية لرأي ابن جني في تشبيهه جهاز الصوت لدى التذبذب في إخراج الأصوات بالمزمار، الذي أصبح اليوم نقطة انطلاق الأصوات باعتباره فراغاً يحاط بالوترين الصوتين، إذ لم يكن هناك بد عند ابن جني من تلمس جهاز ملموس للاستدلال من خلاله على قضية يصعب الاستدلال عليها في عصره دون النظر إلى ذلك الجهاز، أما التشبيه الذي عاد اليوم مظنة لمساحة نطقية قرب الحنجرة، فإنه قد لوّن بصبغة خاضعة لعلم التشريح، وليس عصر ابن جني عصر تشريح، ولا هو بمتخصص فيه مع فرض وجود أوليات الموضوع. لذلك جاءت هذه الترجمة معبرة عن رأيه، أو كاشفة عن تخطيطه تلقائياً، وحاكية لتشبيهه تمثيلياً، والأمر المنتزع من الحس، إذ أقيم عليه الدليل الفعلي، كان مقارباً للأفهام، ومسايراً لحركة التفكير.
لقد كان ابن جني موضوعياً في صفة الجهاز المتنقل في الأصوات مما جعله في عداد المؤسسين.
3 ـ أثر المسموعات في تكوين الأصوات:
ويتمرس ابن جني بعض الحقائق الصوتية، ولكنه يعرضها بحذر ويقظة، وقد ينسبها إلى بعض الناس، وما يدرينا فلعلها له لأنه من بعضهم، إلا أن له وجهة نظر قد تمنعه من التصريح بها لأسباب عقيدية، قد لا يسيغها المناخ الاجتماعي في نظره وإن كانت واقعاً.
فهو يتحدث عن صدى الصوت في بداية تكوين اللغة، وأثر المسموعات الصوتية في نشوء الأصوات الإنسانية، وهو ينقل ذلك عن بعضهم، ولكنه يذهب إليه باعتباره مذهباً متقبلاً، ووجهاً صالحاً للتعليل، دعماً لنظريته الصوتية التي يربط بها الأشباه والنظائر، ويحشد لها الدلائل والبراهين، فيقول:
__________
(1) المرجع السابق: 47 وما بعدها باختصار.

الصفحة 69