تسلسلها في النطق مترددة بجهاز النطق من مبتداه إلى منتهاه، وذلك حينما يبدأ القرآن الكريم بـ (ألم) في أول سورة قرآنية ضمن الترتيب المصحفي وهي سورة البقرة التي استعملت هذه الأصوات متقاطرة، فيعطي التعليل الصوتي الآتي: «لأن الألف المبدوءة بها هي أقصاها مطلقاً، واللام متوسطة، والميم متطرفة، لأنها تأخذ في الشفة، فنبه بذكرها على غيرها من الحروف، وبيّن أنه إنما أتاهم بكلام منظوم مما يتعارفون من الحروف التي تردد بين هذين الطرفين» (1).
وسيأتي فيما بعد إفادة الزركشي (ت: 794 هـ) من هذا المنحنى لهذه الأصوات وتوسعه فيه وفي سواه على أس صوتي مكثف.
جدولة الصوت اللغوي في فواتح السور عند الزمخشري.
وقد أفاض جار الله الزمخشري (ت: 538 هـ) في تعقب هذه الوجوه، وذكر هذه الملاحظ، وأفاد مما أبداه الباقلاني وزاد عليه متوسعاً، وفصل ما ذكره مجملاً بما نحاول برمجته باختصار على النحو التالي:
أولاً: قال الزمخشري: «اعلم أنك إذا تأملت ما أورده الله عزّ سلطانه في الفواتح من هذه الأسماء وجدتها نصف أسامي حروف المعجم أربعة عشر سواء، وهي: الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون في تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم، ثم إذا نظرت في هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف» (2).
والملاحظ من هذا النص أن الزمخشري قد جعل أسامي حروف المعجم ثمانية وعشرين، بينما ينص على أن عدد حروف المعجم تسعة وعشرون حرفاً، مما قد يتصور معه التناقض وعدم الدقة، وليس الأمر كذلك، لأن الألف اسم يتناول عندهم جزئين من الحروف هما رسماً (ا) و (ء) أي المدة والهمزة، لهذا قالوا الألف إما ساكنة أو متحركة، والألف الساكنة هي المدة، والألف المتحركة هي الهمزة، ومن ثم بدأ التفريق الدقيق بينهما، فأطلقت (ا) على الألف اللينة، وأطلقت (ء) على الهمزة،
__________
(1) الباقلاني، إعجاز القرآن: 68 ـ 69.
(2) الزمخشري، الكشاف: 1|101.