كتاب الصوت اللغوي في القرآن

شأن الخليل في بدايات العين. وكأن قدماء العرب كانوا ينظرون الحرف والصوت بمنظار واحد، فيطلقون اسم أحدهما على الآخر، لا سيما في إطلاق الحرف وإرادة الصوت، وهذا ما نهجه الزركشي لدى بحثه أسرار صوت الهمزة، واللام، والميم من وجه آخر غير الوجه الصوتي الأول فقال:
«وأيضاً من أسرار علم الحروف أن الهمزة من الرئة، فهي أعمق الحروف، واللام مخرجها من طرف اللسان ملصقة بصدر الغار الأعلى من الفم، فصوتها يملأ ما وراءها من هواء الفم، والميم مطبقة، لأن مخرجها من الشفتين إذا أطبقا، ويرمز بهن إلى باقي الحروف» (1).
ثالثاً: وتعقب الزركشي ملائمه صوت الطاء للسين في (طس) ومجانسته للهاء في (طه)، وهو يعمم هذه الملائمة وتلك المجانسة صوتياً على القرآن فيقول:
«وتأمل اقتران الطاء بالسين والهاء في القرآن، فإن الطاء جمعت من صفات الحروف خمس صفات لم يجمعها غيرها وهي: الجهر، والشدة، والاستعلاء، والإطباق، والإصمات، والسين: مهموس، رخو، مستفل، صفير، منفتح، فلا يمكن أن يجمع إلى الطاء حرف يقابلها، كالسين والهاء، فذكر الحرفين اللذين جمعا صفات الحروف» (2).
وهذا التعقب خالص الصوتية في الاستقراء والاستنتاج معاً، فإن ما ذكره اهتمام صوتي ليس غير، وإن ما عدده من المصطلحات: الجهر، الشدة، الاستعلاء، الإطباق، الأصمات، المهموس، الرخو، المستفل، الصفير، المنفتح، مصطلحات صوتية في الصميم، وهو وإن سبق إلى التسمية وسبق إلى الضبط، إلا أنه طبقها تنظيراً صوتياُ على فواتح السور.
رابعاً: وتنبه الزركشي أيضاً إلى اشتمال سورة (ق) على ذات الحرف، لما في صوت القاف من القلقلة والشدة من جهة، ولاشتماله على
__________
(1) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|168.
(2) المصدر نفسه: 1|169.

الصفحة 91