الخصومات المتعددة، فأولها خصومة الكفار مع النبي صلى الله عليه وسلم وقولهم: (أجعل الآلهة إلاهاً واحدًا) (1) إلى آخر كلامهم. ثم أختصام الخصمين عند داود، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى في العلم، وهو الدرجات والكفارات، ثم تخاصم ابليس واعتراضه على ربه وأمره بالسجود، ثم اختصامه ثانياً في شأن بنيه، وحلفه ليغوينهم أجمعين إلا أهل الإخلاص منهم» (2).
وهكذا نجد الزركشي في تنبيهاته الصوتية ـ سواء أكان ناقلاً لها، أم مجمعاً لشتاتها، أم مبرمجاً لخططها، أم مبتدعاً لبعضها ـ، يؤكد العمق الصوتي لدى علماء العربية في إبراز حقيقة الصوت اللغوي فيما اتسمت به فواتح السور القرآنية ذات الحروف الهجائية المقطّعة.
القرآن في تركيبه الصوتي من جنس هذه الأصوات
والحق أن استقرار المراد من هذه الحروف المقطعة ـ وإن لم تدرك أسراره ـ لا يخرجها عن حقيقة واقعها الصوتي في الأسماع، ولا جوهرها الأنصاتي لدى الإطلاق، فهي من جنس أصوات العرب في لغتهم، ومن سنخ حروف معجمهم، ومن روح أصداء لغة القرآن العظيم، ولا يمانع هذا الاستقراء على اختلاف وجهات النظر فيه من شموخ الصوت اللغوي في أضوائها، وبروز الملحظ الصوتي في تأويلاتها ـ توصل إلى الواقع أو لم يتوصل ـ على أن السلف الصالح مختلف في المراد من هذه الحروف المقطعة، أو الأصوات المنطوقة على قولين:
الأول: ان هذه الحروف في دلالتها وإرادتها من العلم المستور والسر المحجوب الذي استأثر به الله تعالى.
وادعى الشعبي: أنها من المتشابه، نؤمن بظوواهرها، ونكل العلم فيها إلى الله عزّ وجل (3).
وقد روى الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ) أنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، واختاره الحسين بن علي المغربي (4).
__________
(1) سورة ص: 5.
(2) الزركشي، البرهان في علوم القرآن: 1|170.
(3) (4) ظ: الطوسي، التيبان في تفسير القرآن: 1|48.