إلى مسجده (¬١) وهو (¬٢) قاعد في المحراب، وبين يديه رحلٌ عليه (¬٣) مصحف، وهو يقرأ، فسلمت عليه فردَّ عليّ السلام، وقال: من أين؟ قلت: من بغداد، قصدت زيارة الشيخ، فقال: تُحِسن أن تقول شيئًا؟ فقلت: نعم، فقلت:
رأيتُك تَبنِي دائبًا في قطيعتي ... ولو كنتَ ذا حزمٍ لهدَّمتَ ما تَبني (¬٤)
فأطبقَ المصحف، ولم يزل يبكي حتى ابتلَّتْ لحيته وثوبه، حتى رحمتُه من كثرة بكائه، ثمّ قال: يا بُنيَّ (¬٥)! تلوم أهل الري على قولهم: يوسف بن الحسين زنديق؟ ومن وقت الصلاة هو ذا أقرأ القرآن، لم يقطر من عيني قطرة، وقد قامت عليَّ القيامةُ بهذا البيت.
الوجه الخامس: أنَّه ما من أحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ومأخوذ من قوله ومتروك، ولا يُقتدى بأحد في أقواله وأفعاله وأحواله [٣١ أ] كلها إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمن نزَّل غيرَه في هذه المنزلة فقد شرح بالضلالة والبدعة صدرًا، ولا يُغني عنه ذلك الغير من الله شيئًا، بل يتبرأ منه أحوج
---------------
(¬١) في الأصل: "مسجد".
(¬٢) "وهو" ليست في ك.
(¬٣) "رحل عليه" ليست في ع. وفي ك وتاريخ بغداد والقشيرية: "رجل عليه". والرحل بالحاء: ما يوضع عليه شيء. وفي اللمع: "وفي حجره"، وفي تلبيس إبليس: "على يديه". وفي الإحياء: "وبيده".
(¬٤) البيت للوليد بن يزيد في ديوانه (ص ١٢٥).
(¬٥) ع، ك: "يا سيدي".