كتاب الكلام على مسألة السماع (اسم الجزء: 1)

وأذواقًا لا يمكنهم دفعها عن قلوبهم، ولم يروها تُستجلَب بمثل السماع، فلو لامَهم فيه كل لائم لم يُصْغُوا إلى ملامه، وقالوا لمن لامهم:
أقول لِلَّائمِ المُهدِي ملامتَه ... ذُقِ الهوى وإنِ اسْطَعْتَ (¬١) الملامَ لُمِ (¬٢)
فهم يعذرون اللُوّام إذ هم محجوبون عما فيه القوم من تلك الأحوال، ولا يلتفتون إلى ملامهم، بل قد يستلذ أحدهم الملامة كما قيل:
أجدُ الملامةَ في هواك لذيذةً ... حبًّا لذكرك فليَلُمْني اللُّوَّمُ (¬٣)
ولا ريب أنهم معذورون، إذ لم يجدوا مَن يخاطبهم بأذواقهم، ويكلمهم على مقتضى أحوالهم، ويشاركهم في وجدهم وشأنهم، فيُناديهم من مكان قريب، وإنما يُبتلَون بجافٍ جلفٍ أبعد شيءٍ عن (¬٤) معاملات القلوب وأحوالها ومنازلاتها، كثيف الطباع، موكل بإنكار ما لم يُحِطْ بعلمه، غليظ الحجاب عن شأن القوم، وما تعلقت به (¬٥) هممهم، فينكر عليهم إنكار مَن لم يذق ما ذاقوه ولا باشر ما باشروه، ولا ذاق من الشراب الذي شربوه، فأعمال القلوب عنده (¬٦) كأنها شريعة
---------------
(¬١) في جميع النسخ: "استطعت". ولا يستقيم به الوزن.
(¬٢) البيت للشريف الرضي في "ديوانه" (٢/ ٢٧٤)، وبلا نسبة في "مدارج السالكين" (٤/ ٤٣٦).
(¬٣) البيت لأبي الشيص الخزاعي، وتخريجه في "روضة المحبين" (ص ٣٥، ٣٦).
(¬٤) ع: "من".
(¬٥) "به" ليست في ك.
(¬٦) في الأصل: "عندهم". والمثبت من ع، ك.

الصفحة 67