كتاب الكلام على مسألة السماع (اسم الجزء: 1)

الأوطان، أخي سفرٍ (¬١) على أنه مقيم بين الأطلال، وعابرِ سبيلٍ لم يَثْنِ عزمَه طِيبُ الثمار وبَرْدُ الظلال، قد تعلقتْ همتُه بالمطلب الأعلى، فلم يَقنَعْ بالدُّون، وباع أنفاسَه (¬٢) الدنيا (¬٣) بتلك الأنفاس العُلى لا كبيع الخاسر المغبون، رُفِعَ له عَلَمُ السعادة فشَمَّر إليه، واستبان له طريقُ الوصول إلى المطلب الأعلى [١٦ أ] فقام واستقام عليه، أجاب مناديَ الإيمان إذ نادى به (¬٤) حيَّ على الفلاح، وبذل نفسَه في مرضاة محبوبه بذْلَ المحبِّ بالرضا والسماح (¬٥)، وعلم (¬٦) أنه لا بدَّ له من لقائه فواصل إليه السُّرَى والسيرَ بالغدوِّ والرواح، فحَمِدَ عند الوصول مَسْراه (¬٧)، وإنما يَحْمَدُ القوم السُّرَى عند الصباح (¬٨).
فأمّا مَن اتخذ إلهه هواه، وأضلَّه الله على علمٍ، وختمَ على سمعِه (¬٩) وبصرِه فأصمَّه وأعماه، وأعرض عن الناصح بعد ما بذل له
---------------
(¬١) ك: "في سفر".
(¬٢) ك: "اقامة".
(¬٣) ع: "الدنا".
(¬٤) "به" ليست في ع، ك.
(¬٥) ع: "والسماع".
(¬٦) في الأصل: "وعلمه".
(¬٧) ك: "سراه".
(¬٨) إشارة إلى المثل السائر: "عند الصباح يحمد القوم السُّرى". انظر: "مجمع الأمثال" (٢/ ٣) و"المستقصى" (٢/ ١٦٨) و"جمهرة الأمثال" (٢/ ٤٢) وغيرها.
(¬٩) بعدها في ك: "وقلبه".

الصفحة 8