كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 1)

سَابُوْرَ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِهِم، وَكَانَ ابْنُ المَلِكِ صَدِيْقاً لَهُ وَمُوَاخِياً، وَكَانَا يَرْكَبَانِ إِلَى الصَّيْدِ.
فَبَيْنَمَا هُمَا فِي الصَّيْدِ، إِذْ رُفِعَ لَهُمَا بَيْتٌ مِنْ عَبَاءٍ، فَأَتَيَاهُ، فَإِذَا هُمَا بِرَجُلٍ بَيْنَ يَدَيْهِ مُصْحَفٌ، يَقْرَأُ فِيْهِ، وَيَبْكِي.
فَسَأَلاَهُ: مَا هَذَا؟
قَالَ: الَّذِي يُرِيْدُ أَنْ يَعْلَمَ هَذَا لاَ يَقِفُ مَوْقِفَكُمَا، فَانْزِلاَ.
فَنَزَلاَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: هَذَا كِتَابٌ جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، أَمَرَ فِيْهِ بِطَاعَتِهِ، وَنَهَى عَنْ مَعْصِيَتِهِ، فِيْهِ أَنْ لاَ تَزْنِيَ، وَلاَ تَسْرِقَ، وَلاَ تَأَخُذَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالبَاطِلِ، فَقَصَّ عَلَيْهِمَا مَا فِيْهِ، وَهُوَ الإِنْجِيْلُ، فَتَابَعَاهُ، فَأَسْلَمَا.
وَقَالَ: إِنَّ ذَبِيْحَةَ قَوْمِكُمَا عَلَيْكُمَا حَرَامٌ، وَلَمْ يَزَلْ مَعَهُمَا يَتَعَلَّمَانِ مِنْهُ حَتَّى كَانَ عِيْدٌ لِلْمَلِكِ، فَجَعَلَ طَعَاماً، ثُمَّ جَمَعَ النَّاسَ وَالأَشْرَافَ، وَأَرْسَلَ إِلَى ابْنِ المَلِكِ، فَدَعَاهُ لِيَأْكُلَ، فَأَبَى، وَقَالَ: إِنِّي عَنْكَ مَشْغُولٌ.
فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ، أَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يَأْكُلُ مِنْ طَعَامِهِم.
فَقَالَ لَهُ المَلِكُ: مَنْ أَخْبَرَكَ بِهَذَا؟
فَذَكَرَ لَهُ الرَّاهِبَ، فَطَلَبَ الرَّاهِبَ، وَسَأَلَهُ، فَقَالَ:
صَدَقَ ابْنُكَ.
فَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ الدَّمَ عَظِيْمٌ لَقَتَلْتُكَ، اخْرُجْ مِنْ أَرْضِنَا.
فَأَجَّلَهُ أَجَلاً، فَقُمْنَا نَبْكِي عَلَيْهِ، فَقَالَ:
إِنْ كُنْتُمَا صَادِقَيْنِ، فَأَنَا فِي بَيْعَةٍ فِي المَوْصِلِ مَعَ سِتِّيْنَ رَجُلاً نَعْبُدُ اللهِ، فَائْتُوْنَا.
فَخَرَجَ، وَبَقِيَ سَلْمَانُ وَابْنُ المَلِكِ، فَجَعَلَ سَلْمَانُ يَقُوْلُ لابْنِ المَلِكِ: انْطَلِقْ بِنَا.
وَابْنُ المَلِكِ يَقُوْلُ: نَعَمْ.
فَجَعَل يَبِيْعُ مَتَاعَهُ يُرِيْدُ الجَهَازَ، وَأَبْطَأَ، فَخَرَجَ سَلْمَانُ حَتَّى أَتَاهُمْ، فَنَزَلَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَهُوَ رَبُّ البَيْعَةِ.
فَكَانَ سَلْمَان مَعَهُ يَجْتَهِدُ فِي العِبَادَةِ، فَقَالَ لَهُ الشَيْخُ:
إِنَّكَ غُلاَمٌ حَدَثٌ (1) ، وَأَنَا خَائِفٌ أَنْ تَفْتُرَ، فَارْفُقْ بِنَفْسِكَ.
قَالَ: خَلِّ عَنِّي.
ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ البَيْعَةِ دَعَاهُ، فَقَالَ:
تَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ البَيْعَةَ لِي، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ
__________
(1) تصحفت في المطبوع إلى " حديث ".

الصفحة 523