كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 3)

وَقَالَتْ مُعَاذَةُ: كَانَ أَصْحَابُهُ - تَعْنِي: صِلَةَ - إِذَا الْتَقَوْا عَانَقَ بَعْضُهُم بَعْضاً.
وَقَالَ ثَابِتٌ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى صِلَةَ بِنَعْيِ أَخِيْهِ، فَقَالَ لَهُ: ادْنُ، فَكُلْ، فَقَدْ نُعِيَ إِلَيَّ أَخِي مُنْذُ حِيْنٍ، قَالَ -تَعَالَى -: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتُوْنَ (1) } [الزُّمَرُ: 30] .
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ:
أَنَّ صِلَةَ كَانَ فِي الغَزْوِ، وَمَعَهُ ابْنُهُ، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! تَقَدَّمْ، فَقَاتِلْ حَتَّى أَحْتَسِبَكَ.
فَحَمَلَ، فَقَاتَلَ، حَتَّى قُتِلَ، ثُمَّ تَقَدَّمَ صِلَةُ، فَقُتِلَ، فَاجْتَمَعَ النِّسَاءُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ مُعَاذَةَ، فَقَالَتْ: مَرْحَباً إِنْ كُنْتُنَّ جِئْتُنَّ لِتُهَنِّئْنَنِي، وَإِنْ كُنْتُنَّ جِئْتُنَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ، فَارْجِعْنَ (2) .
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ صِلَةَ، قَالَ:
خَرَجْنَا فِي قَرْيَةٍ وَأَنَا عَلَى دَابَّتِي فِي زَمَانِ فُيُوضِ المَاءِ، فَأَنَا أَسِيْرُ عَلَى مُسَنَّاةٍ (3) ، فَسِرْتُ يَوْماً لاَ أَجِدُ مَا آكُلُ، فَلَقِيَنِي عِلْجٌ يَحْمِلُ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْئاً، فَقُلْتُ: ضَعْهُ.
فَإِذَا هُوَ خُبْزٌ، قُلْتُ: أَطْعِمْنِي.
فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ وَلَكِنْ فِيْهِ شَحْمُ خِنْزِيْرٍ.
فَتَرَكْتُهُ، ثُمَّ لَقِيْتُ آخَرَ، فَقُلْتُ: أَطْعِمْنِي.
قَالَ: هُوَ زَادِي لأَيَّامٍ، فَإِنْ نَقصتَهُ، أَجَعْتَنِي.
فَتَرَكْتُهُ، فَوَاللهِ إِنِّيْ لأَسِيْرُ، إِذْ سَمِعْتُ خَلْفِي وَجْبَةً كَوَجْبَةِ الطَّيْرِ، فَالْتَفَتُّ، فَإِذَا هُوَ شَيْءٌ مَلْفُوفٌ فِي سِبٍّ أَبْيَضَ، فَنَزَلْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا دَوْخَلَةٌ مِنْ رُطَبٍ فِي زَمَانٍ لَيْسَ فِي الأَرْضِ رُطبَةٌ، فَأَكَلْتُ مِنْهُ، ثُمَّ لَفَفْتُ مَا بَقِيَ، وَرَكِبْتُ الفَرَسَ، وَحَمَلْتُ مَعِي نُوَاهُنَّ.
__________
(1) " حلية الأولياء " 2 / 238، وابن سعد 7 / 137، ورجاله ثقات.
(2) ابن سعد 7 / 137، و" حلية الأولياء " 2 / 239، ورجاله ثقات.
(3) المسناة: صغيرة (أي: سد) تبنى للسيل لترد الماء، سميت مسناة، لان فيها مفاتح للماء بقدر ما تحتاج إليه لئلا يغلب.

الصفحة 498