كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 3)

وَقْعَةُ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ.
وَنَشَأَ المُخْتَارُ، فَكَانَ مِنْ كُبَرَاءِ ثَقِيْفٍ، وَذَوِي الرَّأْيِ، وَالفَصَاحَةِ، وَالشَّجَاعَةِ، وَالدَّهَاءِ، وَقِلَّةِ الدِّيْنِ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَكُوْنُ فِي ثَقِيْفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيْرٌ (1)) .
فَكَانَ الكَذَّابُ هَذَا، ادَّعَى أَنَّ الوَحْيَ يَأْتِيهِ، وَأَنَّهُ يَعْلَمُ الغَيْبَ، وَكَانَ المُبِيْرُ الحَجَّاجَ - قَبَّحَهُمَا اللهُ -.
قَالَ أَحْمَدُ فِي (مُسْنِدِهِ) : حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عُمَرَ (2) ، حَدَّثَنَا السُّدِّيُّ، عَنْ رِفَاعَةَ الفِتْيَانِيِّ (3) ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى المُخْتَارِ، فَأَلْقَى لِي وِسَادَةً، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّ جِبْرِيْلَ قَامَ عَنْ هَذِهِ، لأَلْقَيْتُهَا لَكَ.
فَأَرَدْتُ أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَذَكَرْتُ حَدِيْثاً حَدَّثَنِيْهِ عَمْرُو بنُ الحمقِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَمَّنَ مُؤْمِناً عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ القَاتِلِ بَرِيْءٌ (4)) .
وَرَوَى: مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ:
أَقْرَأَنِي الأَحْنَفُ كِتَابَ المُخْتَارِ إِلَيْهِ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَكَانَ المُخْتَارُ قَدْ سَارَ مِنَ الطَّائِفِ بَعْدَ مَصْرِعِ الحُسَيْنِ إِلَى مَكَّةَ، فَأَتَى ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ قَدْ طُرِدَ لِشرِّهِ إِلَى الطَّائِفِ، فَأَظْهَرَ المُنَاصَحَةَ،
__________
(1) أخرجه مسلم (2545) في فضائل الصحابة من حديث أسماء بنت أبي بكر، وأخرجه أحمد 2 / 62، والترمذي (2220) و (3944) من حديث ابن عمر.
(2) تحرف في المطبوع إلى " عمير ".
(3) بكسر الفاء وسكون التاء وفتح الياء وبعد الالف نون: نسبة إلى فتيان بن ثعلبة بن معاوية ابن زيد كما في " المشتبه " و" اللباب " و" تبصير المنتبه " و" توضيح المشتبه ": 2 الورقة: 192.
وأخطأ الحافظ في " التقريب " فقال: " القتباني " بكسر القاف وسكون التاء بعدها موحدة.
(4) إسناده حسن، وهو في " المسند " 5 / 223، وأخرجه أحمد 5 / 222، وابن ماجه (2688) من طريقين، عن عبد الملك بن عمير، عن رفاعة بن شداد الفتياني قال: كنت أقوم على رأس المختار، فلما تبينت كذابته، هممت وايم الله أن أسل سيفي، فأضرب عنقه، حتى ذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أمن رجلا على نفسه، فقتله، أعطي لواء الغدر يوم القيامة " وإسناده صحيح.

الصفحة 539