كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 5)

يَسْأَلُنِي، فَكَأَنَّ أَصْحَابَهُ أَنْكَرُوا ذَلِكَ، وَقَالُوا: تَسْأَلُهُ؟!
قَالَ: مَا تُنْكِرُوْنَ؟ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي.
قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى - وَكَانَ عَالِماً بِالحَجِّ -: قَدْ حَجَّ زِيَادَةً عَلَى سَبْعِيْنَ حَجَّةً.
قَالَ: وَكَانَ يَوْم مَاتَ ابْنَ نَحْوِ مائَةِ سَنَةٍ، رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ المَاءَ فِي رَمَضَانَ، وَيَقُوْلُ:
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَعَلَى الَّذِيْنَ يُطِيْقُوْنَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِيْنٍ، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البَقَرَةُ: 184] : إِنِّي أُطْعِمُ أَكْثَرَ مِنْ مِسْكِيْنٍ (1) .
ابْنُ وَهْبٍ: عَنْ مَالِكٍ، قَالَ:
عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: لَمْ يَزَالُوا مُتَنَاظِرِيْنَ حَتَّى خَرَجَ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَلَمَّا رَجَعَ إِلَيْنَا، اسْتَبَانَ فَضْلُهُ عَلَيْنَا.
وَرَوَى: إِبْرَاهِيْمُ بنُ عُمَرَ بنِ كَيْسَانَ، قَالَ:
أَذْكُرُهُم فِي زَمَانِ بَنِي أُمَيَّةَ يَأْمُرُوْنَ فِي الحَجِّ مُنَادِياً يَصِيْحُ: لاَ يُفْتِي النَّاسَ إِلاَّ عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَطَاءٌ، فَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي نَجِيْحٍ.
قَالَ أَبُو حَازِمٍ الأَعْرَجُ: فَاقَ عَطَاءٌ أَهْلَ مَكَّةَ فِي الفَتْوَى.
__________
(1) أخرجه الحافظ أبو بكر بن مردويه فيما ذكره ابن كثير 1 / 215 من حديث الحسين بن محمد بن
بهرام المخزومي، حدثنا وهب بن بقية، حدثنا خالد بن عبد الله، عن ابن أبي ليلى، قال: دخلت على عطاء في رمضان وهو يأكل، فقال: قال ابن عباس: نزلت هذه الآية (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) فنسخت الأولى إلا الكبير الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا.
وأخرج البخاري في " صحيحه " 8 / 135 في تفسير سورة البقرة من طريق عمرو بن دينار، عن عطاء سمع ابن عباس يقول: (وعلى الذين يطوقونه فدية طعام مسكين) قال ابن عباس: ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فليطعما مكان كل يوم مسكينا.
قال الحافظ: " يطوقونه " بفتح الطاء وتشديد الواو مبنيا للمفعول مخفف الطاء من طوق بضم أوله بوزن قطع، وهذه قراءة ابن مسعود أيضا.
وقد وقع عند النسائي من طريق ابن أبي نجيح، عن عمرو بن دينار يطوقونه: يكلفونه، وهو تفسير حسن أي: يكلفون إطاقته.
ولابي داود (2318) والطبري 3 / 427 من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكينا والحبلى والمرضع إذا خافتا - قال أبو داود: يعني على أولادهما - أفطرتا وأطعمتا. وإسناده قوي.

الصفحة 82