كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 7)

لقَدْ أَخَذتُم مَا لاَ يَحِلُّ لَكُم، إِذَا دُعِيَتْ غَداً بَنُو أُمَيَّةَ بِالعَدْلِ، جَاؤُوا بِعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيْزِ، وَإِذَا دُعِيْتُم أَنْتُم، لَمْ تَجِيئُوا بِأَحَدٍ، فَكُنْ أَنْتَ ذَاكَ الأَحَدَ، فَقَدْ مَضَتْ مِنْ خِلاَفَتِكَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً.
قَالَ: مَا أَجِدُ أَعْوَاناً.
قُلْتُ: عَوْنُكَ عَلَيَّ بِلاَ مَرزِئَةٍ، أَنْتَ تَعلَمُ أَنَّ أَبَا أَيُّوْبَ المُوْرِيَانِيَّ (1) يُرِيْدُ مِنْكَ كُلَّ عَامٍ بَيْتَ مَالٍ، وَأَنَا أَجِيئُكَ بِمَنْ يَعْمَلُ بِغَيْرِ رِزْقٍ، آتِيْكَ بِالأَوْزَاعِيِّ، وَآتِيْكَ بِالثَّوْرِيِّ، وَأَنَا أُبَلِّغُكَ عَنِ العَامَّةِ.
فَقَالَ: حَتَّى أَسْتَكمِلَ بِنَاءَ بَغْدَادَ، وَأُوَجِّهِ خَلْفَكَ.
فَقَالَ لَهُ (2) سُفْيَانُ: وَلِمَ ذَكَرتَنِي لَهُ؟
قَالَ: وَاللهِ مَا أَرَدْتُ إِلاَّ النُّصحَ.
قَالَ سُفْيَانُ: وَيْلٌ لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِم، إِذَا لَمْ يَكُنْ كَبِيْرَ العَقْلِ، كَثِيْرَ الفَهْمِ، كَيْفَ يَكُوْنُ فِتْنَةً عَلَيْهِم وَعَلَى الأُمَّةِ؟
قَالَ نُوْبَخْتُ المَجُوْسِيُّ: سُجِنْتُ بِالأَهْوَازِ، فَرَأَيْتُ المَنْصُوْرَ وَقَدْ سُجِنَ -يَعْنِي: وَهُوَ شَابٌّ-.
قَالَ: فَرَأَيتُ مِنْ هَيْبَتِهِ وَجَلاَلتِهِ وَحُسنِهِ، مَا لَمْ أَرَهُ لأَحَدٍ، فَقُلْتُ: وَحَقِّ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ، إِنَّكَ لَمِنْ وَلَدِ صَاحِبِ المَدِيْنَةِ؟
فَقَالَ: لاَ، وَلَكِنِّي مِنْ عَرَبِ المَدِيْنَةِ.
قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَتَقرَّبُ إِلَيْهِ وَأَخْدمُهُ حَتَّى سَأَلْتُهُ عَنْ كُنْيَتِهِ.
فَقَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ.
قُلْتُ: وَحَقِّ المَجُوْسِيَّةِ، لَتَملِكَنَّ.
قَالَ: وَمَا يُدرِيْكَ؟
قُلْتُ: هُوَ كَمَا أَقُوْلُ لَكَ ... ، وَسَاقَ قِصَّةً (3) .
وَقَدْ كَانَ المَنْصُوْرُ يُصْغِي إِلَى أَقْوَالِ المُنَجِّمِيْنَ، وَيَنْفُقُونَ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ هَنَاتِهِ مَعَ فَضِيْلَتِهِ.
وَقَدْ خَرَجَ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ وِلاَيَتِهِ: عَمُّهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَلِيٍّ (4) ، فَرَمَاهُ بِنَظِيْرِهِ
__________
(1) انظر ترجمته ص: 23.
(2) أي: قال لعباد بن كثير.
(3) تتمة الخبر: "..فضع لي خطك في هذه الرقعة أن تعطيني شيئا إذا وليت.
فكتب له، فلما ولي أكرمه المنصور، وأعطاه، وأسلم نوبخت على يديه، وكان قبل ذلك مجوسيا.
ثم كان من أخص أصحاب المنصور " (انظر: البداية والنهاية: 10 / 122) .
(4) وذلك في سنة (137 هـ) .
انظر: الطبري: 7 / 474 - 479.

الصفحة 88