كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 8)

بنُ عَبْدِ الحَكَمِ:
سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ: شَاوَرَنِي هَارُوْنُ الرَّشِيْدُ فِي ثَلاَثَةٍ: فِي أَنْ يُعَلِّقَ (المُوَطَّأَ) فِي الكَعْبَةِ، وَيَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَا فِيْهِ، وَفِي أَنْ يَنْقُضَ مِنْبَرَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَجْعَلَهُ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَجَوْهَرٍ، وَفِي أَنْ يُقَدِّمَ نَافِعاً إِمَاماً فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقُلْتُ: أَمَّا تَعلِيقُ (المُوَطَّأِ) ، فَإِنَّ الصَّحَابَةَ اخْتَلَفُوا فِي الفُرُوعِ، وَتَفَرَّقُوا، وَكُلٌّ عِنْد نَفْسِه مُصِيْبٌ، وَأَمَّا نَقْضُ المِنْبَرِ، فَلاَ أَرَى أَنْ يُحْرَمَ النَّاسُ أَثَرَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَّا تَقدِمَتُكَ نَافِعاً، فَإِنَّهُ إِمَامٌ فِي القِرَاءةِ، لاَ يُؤْمَنُ أَنْ تَبْدُرَ مِنْهُ بَادِرَةٌ فِي المِحْرَابِ، فَتُحْفَظَ عَلَيْهِ.
فَقَالَ: وَفَّقَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ (1) .
هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ، لَكِنْ لَعَلَّ الرَّاوِي وَهِمَ فِي قَوْلِهِ: هَارُوْنُ؛ لأَنَّ نَافِعاً قَبْلَ خِلاَفَةِ هَارُوْنَ مَاتَ.
مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ فِي السُّنَّةِ:
وَبِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الفِرْيَابِيُّ، حَدَّثَنَا الحُلْوَانِيُّ، سَمِعْتُ مُطَرِّفَ بنَ عَبْدِ اللهِ، سَمِعْتُ مَالِكاً يَقُوْلُ:
سَنَّ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوُلاَةُ الأَمْرِ بَعْدَهُ سُنَناً، الأَخْذُ بِهَا اتِّبَاعٌ لِكِتَابِ اللهِ، وَاسْتِكمَالٌ بِطَاعَةِ اللهِ، وَقُوَّةٌ عَلَى دِيْنِ اللهِ، لَيْسَ لأَحَدٍ تَغِييرُهَا وَلاَ تَبْدِيلُهَا، وَلاَ النَّظَرُ فِي شَيْءٍ خَالَفَهَا، مَنِ اهْتَدَى بِهَا، فَهُوَ مُهتَدٍ، وَمَنِ اسْتَنصَرَ بِهَا، فَهُوَ مَنْصُوْرٌ، وَمَنْ تَرَكَهَا، اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيْلِ المُؤْمِنِيْنَ، وَوَلاَّهُ اللهُ مَا تَوَلَّى، وَأَصْلاَهُ جَهَنَّمَ، وَسَاءتْ مَصِيْراً (2) .
__________
(1) " الحلية " 6 / 332، وأورده القاضي عياض في " ترتيب المدارك " 1 / 214، 215، لكن ذكر بدل " هارون " " المهدي ".
(2) " الحلية " 6 / 324.

الصفحة 98