كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 9)

قُلْتُ: هَذِهِ عِبَادَةٌ يُخضَعُ لَهَا، وَلَكِنَّهَا مِنْ مِثْلِ إِمَامٍ مِنَ الأَئِمَّةِ الأَثَرِيَّةِ مَفضُولَةٌ، فَقَدْ صَحَّ نَهْيُه - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - عَنْ صَومِ الدَّهْرِ (1) ، وَصَحَّ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْرَأَ القُرْآنُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثٍ (2) ، وَالدِّيْنُ يُسْرٌ، وَمُتَابَعَةُ السُّنَّةِ أَوْلَى، فَرَضِيَ اللهُ عَنْ وَكِيْعٍ، وَأَيْنَ مِثْلُ وَكِيْعٍ؟!
وَمَعَ هَذَا فَكَانَ مُلاَزِماً لِشُرْبِ نَبِيذِ الكُوْفَةِ الَّذِي يُسكِرُ الإِكثَارُ مِنْهُ، فَكَانَ مُتَأَوِّلاً فِي شُرْبِهِ، وَلَوْ تَرَكَهُ تَوَرُّعاً، لَكَانَ أَوْلَى بِهِ، فَإِنَّ مَنْ تَوَقَّى الشُّبَهَاتِ، فَقَدِ اسْتَبرَأَ لِدِيْنِه وَعِرْضِهِ (3) ، وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ وَالتَّحرِيْمُ لِلنَّبِيذِ المَذْكُوْرِ (4) ، وَلَيْسَ هَذَا
__________
(1) وردت أحاديث كثيرة في النهي عن صوم الدهر، انظر " شرح السنة " 6 / 362، و" جامع الأصول " 6 / 352.
(2) أخرجه البخاري 4 / 195 من حديث مغيرة، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو، وفيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اقرأ القرآن في كل شهر " فقال: إني أطيق أكثر من ذلك، فما زال حتى قال: " في ثلاث ".
وفيه أيضا 9 / 84 في فضائل القرآن: باب في كم يقرأ القرآن، ومسلم (1159) (182) : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو: " اقرأه في سبع، ولا تزد على ذلك ".
(3) هو جزء من حديث صحيح، رواه البخاري 1 / 116، 119 في الايمان: باب فضل من استبرأ لدينه، وفي البيوع: باب الحلال بين والحرام بين، ومسلم (1599) في المساقات: باب لعن آكل الربا ومؤكله.
(4) فقد أخرج أبو داود (3681) في الاشربة: باب النهي عن المسكر، والترمذي (1866) في الاشربة: باب ما جاء كل مسكر حرام، كلاهما عن قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن بكر بن داود بن أبي الفرات، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أسكر كثيره فقليله حرام ".
وهذا إسناد قوي، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان (1385) ، وأخرجه ابن ماجة (3393) من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم، عن أنس بن عياض، عن داود بن بكر بهذا الإسناد، وفي الباب عن ابن عمر عند ابن ماجة (3392) ، وعن عبد الله بن عمرو عنده أيضا (3394) ، وأخرج مالك في " الموطأ " 2 / 845 باب تحريم الخمر، ومن طريقه البخاري 10 / 35 في الاشربة: باب الخمر من العسل وهو
البتع، ومسلم (2001) في الاشربة: باب بيان أن كل مسكر خمر، عن ابن شهاب الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال: " كل شراب أسكر حرام ".
وأخرج أحمد 4 / 267، وأبو داود (3676) ، والترمذي (1378) عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من العنب خمرا، وإن من التمر خمرا، وأن من العسل خمرا، وإن من البر خمرا، وإن من الشعير خمرا " وفي =

الصفحة 143