كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 9)

تَتَكَلَّمُ بِهَذَا؟
قَالَ: هُوَ عِنْدِي أَحَلُّ مِنْ مَاءِ الفُرَاتِ.
قُلْتُ لَهُ: مَاءُ الفُرَاتِ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي حِلِّهِ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا.
قُلْتُ: الرَّجُلُ - سَامَحَهُ الله - لَوْ لَمْ يَعْتَقِدْ إِبَاحَتَه، لَمَا قَالَ هَذَا.
عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ شَمَّاسٍ، قَالَ: لَوْ تَمَنَّيْتُ، كُنْتُ أَتَمَنَّى عَقْلَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَرَعَهُ، وَزُهْدَ ابْنِ فُضَيْلٍ وَرِقَّتَه، وَعِبَادَةَ وَكِيْعٍ وَحِفْظَهُ، وَخُشُوْعَ عِيْسَى بنِ يُوْنُسَ، وَصَبْرَ حُسَيْنٍ الجُعْفِيِّ، صَبَرَ وَلَمْ يَتَزَوَّجْ (1) ، وَلَمْ يَدْخُلْ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمرِ الدُّنْيَا.
وَرَوَى: بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ وَكِيْعٍ، قَالَ: قَالَ لِي الرَّشِيْدُ:
إِنَّ أَهْلَ بَلَدِكَ طَلَبُوا مِنِّي قَاضِياً، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنْ أُشْرِكَكَ فِي أَمَانَتِي وَصَالِحِ عَمَلِي، فَخُذْ عَهدَكَ.
فَقُلْتُ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! أَنَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ، وَإِحْدَى عَيْنَيَّ ذَاهِبَةٌ، وَالأُخْرَى ضَعِيْفَةٌ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: مَا رَأَيْتُ بِيَدِ وَكِيْعٍ كِتَاباً قَطُّ، إِنَّمَا هُوَ حِفْظٌ، فَسَأَلتُهُ عَنْ أَدوِيَةِ الحِفْظِ، فَقَالَ: إِنْ عَلَّمْتُكَ الدَّوَاءَ، اسْتَعْمَلتَه؟
قُلْتُ: إِيْ وَاللهِ.
قَالَ: تَرْكُ المَعَاصِي، مَا جَرَّبْتُ مِثْلَهُ لِلْحِفْظِ.
وَقَالَ طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ المَصِّيْصِيُّ: سَمِعْتُ وَكِيْعاً يَقُوْلُ:
لَوْ عَلِمتُ
__________
(1) وليس هذا الامر مما يتمنى ولا يفرح به، ولا يقلد به صاحبه، لأنه مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الثابت فيما رواه البخاري 9 / 89، 90 في النكاح: باب الترغيب في النكاح، ومسلم (1401) في النكاح: باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه من حديث أنس، أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، سألوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عن عمله في السر، فقال بعضهم: لا أتزوج النساء، وقال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: لا أنام على فراش، فحمد الله وأثنى عليه، فقال: " ما بال أقوام قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني ".

الصفحة 151