كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 9)

تُجَوِّزَ عَلَيْهِ تَغَيُّرَ سَائِرِ مَوْتَى الآدَمِيِّينَ وَرَائِحَتِهِم، وَأَكْلَ الأَرْضِ لأَجْسَادِهِم، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمُفَارِقٌ لِسَائِرِ أُمَّتِهِ فِي ذَلِكَ، فَلاَ يَبْلَى، وَلاَ تَأْكلُ الأَرْضُ جَسَدَهُ، وَلاَ يَتَغَيَّرُ رِيْحُهُ، بَلْ هُوَ الآنَ - وَمَا زَالَ - أَطْيَبُ رِيْحاً مِنَ المِسْكِ، وَهُوَ حَيٌّ فِي لَحْدِهِ (1) ، حَيَاةَ مِثْلِهِ فِي البَرزَخِ الَّتِي هِيَ أَكمَلُ مِنْ حَيَاةِ سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَحَيَاتُهُم بِلاَ رَيْبٍ أَتَمُّ وَأَشرَفُ مِنْ حَيَاةِ الشُّهدَاءِ الَّذِيْنَ هُم بِنَصِّ الكِتَابِ: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِم يُرْزَقُوْنَ} [آلُ عِمْرَانَ: 169] ، وَهَؤُلاَءِ حَيَاتُهُم الآنَ الَّتِي فِي عَالِمِ البَرْزَخِ حَقٌّ، وَلَكِنْ لَيْسَتْ هِيَ حَيَاةَ الدُّنْيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلاَ حَيَاةَ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلَهُم شِبْهٌ بِحَيَاةِ أَهْلِ الكَهْفِ.
وَمِنْ ذَلِكَ اجْتِمَاعُ آدَمَ وَمُوْسَى لَمَّا احْتَجَّ عَلَيْهِ مُوْسَى، وَحَجَّهُ آدَمُ بِالعِلْمِ السَّابِقِ (2) ، كَانَ اجْتِمَاعُهُمَا حَقّاً، وَهُمَا فِي عَالِمِ البَرْزَخِ، وَكَذَلِكَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخبَرَ أَنَّهُ رَأَى فِي السَّمَاوَاتِ آدَمَ، وَمُوْسَى، وَإِبْرَاهِيْمَ، وَإِدْرِيْسَ، وَعِيْسَى، وَسَلَّمَ عَلَيْهِم، وَطَالَتْ مُحَاوَرَتُهُ مَعَ
__________
= فالامثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض، وما عليه خطيئة " أخرجه الترمذي (2400) في الزهد: باب ما جاء في الصبر على البلاء، وابن ماجة (4033) في الفتن: باب الصبر على البلاء، وأحمد 1 / 172، و174، و180 و185، والدارمي 2 / 320، وابن حبان (699) كلهم من طريق عاصم بن بهدلة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد..وهذا سند حسن من أجل عاصم، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (698) من طريق جرير بن عبد الحميد، عن العلاء بن المسيب، عن أبيه، عن سعد.
(1) حديث " الأنبياء أحياء في قبورهم ": صحيح بطرقه، أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " الورقة 168، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 2 / 83، والبزار في " مسنده " (256) ، والبيهقي في " حياة الأنبياء " من حديث أنس بن مالك.
(2) رواه البخاري 11 / 441 في القدر: باب تحاج آدم وموسى، ومسلم (2652) في القدر: باب حجاج آدم وموسى، ومالك 2 / 898 في القدر: باب النهي عن القول بالقدر، وأبو داود (4701) في السنة: باب في القدر، والترمذي (2135) ، في القدر: باب رقم 2.

الصفحة 161