كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 9)

السَّيِّدَةِ.
قَالَ: أَنْتَ أَحْمَق تُقِرُّ ثُمَّ تَقُوْلُ: هُوَ عَلَى السَّيِّدَةِ! مَا تَقُوْلُ يَا رَجُل؟
قَالَ: أَصْلَحَ اللهُ القَاضِي، إِنْ أَعْطَانِي مَالِي، وَإِلاَّ حَبَسْتَهُ.
قَالَ: مَا تَقُوْلُ يَا مَجُوْسِيُّ؟
قَالَ: المَالُ عَلَى السَّيِّدَةِ.
قَالَ القَاضِي: خُذُوا بِيَدِهِ إِلَى الحَبْسِ.
فَلَمَّا حُبِسَ، بَلغَ الخَبَرُ أُمَّ جَعْفَرٍ، فَغَضِبتْ، وَبعثَتْ إِلَى السِّنْدِيِّ: وَجِّهْ إِلَى مَرْزُبَانَ - وَكَانَتِ القُضَاةُ تَحبِسُ الغُرَمَاءَ فِي الحَبْسِ - فَعجَّلَ السِّنْدِيُّ، فَأَخْرَجَهُ، وَبلغ حَفْصاً الخَبَرُ، فَقَالَ: أَحبِسُ أَنَا؛ وَيُخرِجُ السِّنْدِيُّ!! لاَ جلَسْتُ أَوْ يُرَدُّ مَرْزُبَانُ الحَبْسَ.
فَجَاءَ السِّنْدِيُّ إِلَى أُمِّ جَعْفَرٍ، فَقَالَ: الله الله فِيَّ، إِنَّهُ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَأَخَافُ مِنْ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَنْ يَقُوْلُ لِي: بِأَمْرِ مَنْ أَخْرَجتَ؟ رُدِّيه إِلَى الحَبْسِ، وَأَنَا أُكلِّمُ حَفْصاً فِي أَمرِهِ.
فَأَجَابَتْهُ، فَرَجَعَ مَرْزُبَانُ إِلَى الحَبْسِ، فَقَالَتْ أُمُّ جَعْفَرٍ لِهَارُوْنَ: قَاضِيكَ هَذَا أَحْمَقُ، حَبَسَ وَكِيلِي، وَاسْتَخَفَّ بِهِ، فَمُرْهُ لاَ يَنْظُر فِي الحُكْمِ، وَتُوَلِّي أَمرَهُ إِلَى أَبِي يُوْسُفَ، فَأَمَر لَهَا بِالكِتَابِ، وَبلغَ حَفْصاً الخبَرُ.
فَقَالَ لِلرَّجُلِ: أَحضِرْنِي شُهُوْداً حَتَّى أُسجِّلَ لَكَ عَلَى المَجُوْسِيِّ بِالمَالِ، فَجَلَسَ حَفْصٌ، فَسجَّلَ عَلَى المَجُوْسِيِّ بِالمَالِ، وَوَرَدَ كِتَابُ هَارُوْنَ مَعَ خَادمٍ لَهُ، فَقَالَ: هَذَا كِتَاب أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
قَالَ: مَكَانَكَ، نَحْنُ فِي شَيْءٍ حَتَّى نَفرُغَ مِنْهُ.
فَقَالَ: كِتَابُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ.
قَالَ: انظُرْ مَا يُقَالُ لَكَ.
فَلَمَّا فَرَغَ حَفْصٌ مِنَ السِّجِلِّ، أَخَذَ الكِتَابَ مِنَ الخَادِمِ، فَقَرَأَهُ،
فَقَالَ: اقْرَأْ عَلَى أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ السَّلاَمَ، وَأَخْبِرْهُ أَنَّ كِتَابَهُ وَرَدَ، وَقَدْ أَنْفَذتُ الحُكْمَ.
فَقَالَ الخَادِمُ: قَدْ -وَاللهِ- عرفْتُ مَا صنعْتَ؛ أَبَيْتَ أَنْ تَأْخُذَ كِتَابَ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ حَتَّى تَفْرُغَ مِمَّا تُرِيْدُ، وَاللهِ لأُخْبِرَنَّهُ بِمَا فَعَلتَ.
قَالَ لَهُ: قُلْ لَهُ مَا أَحْبَبْتَ.
فَجَاءَ الخَادِمُ فَأَخْبَرَ هَارُوْنَ، فَضَحِكَ، وَقَالَ لِلْحَاجِبِ: مُرْ لِحفصٍ بِثَلاَثِيْنَ أَلْفَ دِرْهَم، فَرَكِبَ يَحْيَى بنُ خَالِدٍ، فَاسْتقبلَ حَفْصاً مُنْصَرِفاً مِنْ مَجْلِس

الصفحة 29