كتاب سير أعلام النبلاء ط الرسالة (اسم الجزء: 9)

وَقِيْلَ: إِنَّ أُخْتَه قَالَتْ لَهُ: مَا رَأَيْتُ لَكَ سُرُوْراً مُنْذُ قتلتَ جَعْفَراً، فَلِمَ قَتَلْتَهُ؟
قَالَ: لَوْ عَلِمتُ أَنَّ قمِيْصِي يَعلَمُ السَّبَبَ لَمَزَّقْتُهُ (1) .
عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الهَاشِمِيِّ خَطِيْبِ الكُوْفَةِ، قَالَ:
دَخَلْتُ عَلَى أُمِّي يَوْمَ الأَضْحَى، وَعِنْدَهَا عَجُوْزٌ فِي أَثْوَابٍ رَثَّةٍ، فَقَالَتْ: تَعرِفُ هَذِهِ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَتْ: هَذِهِ وَالِدَةُ جَعْفَرٍ البَرْمَكِيِّ، فَسلَّمْتُ عَلَيْهَا، وَرحَّبْتُ بِهَا، وَقُلْتُ: حدِّثِينَا بِبَعْضِ أَمرِكُم.
قَالَتْ: لَقَدْ هجمَ عَلَيَّ مِثْلُ هَذَا العِيْدِ، وَعَلَى رَأْسِي أَرْبَعُ مائَةِ جَارِيَةٍ، وَأَنَا أَزعمُ أَنَّ ابْنِي عَاقٌّ لِي، وَقَدْ أَتَيْتُكُم يُقنِعُنِي جلدُ شَاتَيْنِ، أَجْعَلُ أَحَدَهُمَا فِرَاشاً لِي (2) .
قَالَ: فَأَعْطِيْتُهَا خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَكَادَتْ تَموَتُ فَرَحاً.
لَمْ يَزَلْ يَحْيَى، وَآلُهُ مَحْبُوْسِينَ، وَحَالُهُم حَسَنَةٌ، إِلَى أَنْ سخطَ الرَّشِيْدُ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ صَالِحٍ، فَعَمَّهُم بِسُخْطِهِ، وَجَدَّدَ لَهُم التُّهمَةَ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِم (3) .
وَدَامتْ جُثَّةُ جَعْفَرٍ مُعَلَّقَةً مُدَّةً، وَعُلِّقتْ أَطْرَافُهُ بِأَمَاكِنَ، ثُمَّ أُحْرِقَتْ.
وَقِيْلَ: لَمْ يُحبسْ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى.
وَفِي (تَارِيْخِ ابْنِ خَلِّكَانَ) : أَنَّ الرَّشِيْدَ دَعَا يَاسِراً غُلاَمَهُ،
فَقَالَ: قَدِ انْتَخَبْتُكَ لأَمرٍ لَمْ أَرَ لَهُ الأَمِيْنَ وَلاَ المَأْمُوْنَ، فَحَقِّقْ ظَنِّي.
قَالَ: لَوْ أَمَرْتَنِي بِقتلِ نَفْسِي لَفَعَلْتُ.
قَالَ: ائِتِنِي بِرَأَسِ جَعْفَرٍ، فَوَجَمَ لَهَا.
قَالَ: وَيْلَكَ، مَا لَكَ؟
قَالَ: الأَمْرُ عَظِيْمٌ، لِيتَنِي متُّ قَبْلَ هَذَا. قَالَ:
__________
(1) ابن خلكان 1 / 336.
(2) " تاريخ بغداد " 7 / 156، 157.
(3) " تاريخ الطبري " 8 / 297، و" الكامل " 6 / 179.

الصفحة 69